للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلامه أحسن الله إليه جيد في الجملة، وقد بين بعد ذلك أن الذين رفضوا الدليل فرطوا، كما أن الذين تركوا الفروع فرطوا، لكنه جعل البحث عن الدليل لمجرد معرفته والاطمئنان على ما هو عليه، مع التمسك بالفروع بإطلاق، فكيف تجتمع معرفة الدليل والاطمئنان إذا رأى المتطلع شيئا يخالف ما اقتنع به؟.

وما زلت أعتبر التعصب للمذاهب، والإعراض عن الكتاب والسنة تحت التبريرات المختلفة بداية التخلي عن الحكم بما أنزل الله، بل هو منه، فبعض أهل الفقه هم الذين ابتدؤوا السير في هذا الطريق الذي برز فيه الحكام اليوم، وقد قال رسول الله : «من اقتراب الساعة أن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار، ويفتح القول، ويخزن العمل، ويقرأ بالقوم المَثناة ليس فيهم أحد ينكرها، قيل: وما المثناة؟، قال: ما استكتب» (١)، قال الألباني هذا الحديث من أعلام نبوته ، فقد تحقق كل ما فيه من الأنباء، وبخاصة منها ما يتعلق ب (المثناة) وهي كل ما كتب سوى كتاب الله - كما فسره الراوي - وما يتعلق به من الأحاديث النبوية، والآثار السلفية، فكأن المقصود ب (المثناة) الكتب المذهبية المفروضة على المقلدين التي صرفتهم مع تطاول الزمان عن كتاب الله وسنة رسوله كما هو مشاهد اليوم مع الأ سف من جماهير المتمذهبين، وفيهم كثير من الدكاترة والمتخرجين من كليات الشريعة فإنهم جميعا يتدينون بالتمذهب، ويوجبونه على الناس حتى العلماء منهم،،،»، انتهى.

وهذه كلمة للشيخ المحدث أبي الفيض أحمد بن محمد بن الصديق يثرب فيها على الذين هجروا الدليل تحت دعاوى مختلفة، قال في ختام شرحه مسالك الدلالة عند قول ابن أبي زيد: «واللجأ إلى كتاب الله وسنة نبيه»، قال: «لأن النجاة عندهم في اللجأ إلى عرف فاس وقرطبة ورأي المتأخرين الذين هم أبعد الناس من العلم، وأجهلهم بالكتاب والسنة، وأشدهم عداوة ومحاربة لها ولأهلها، لا في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله، ولا فيما اتفق عليه عمل السلف الصالح، وخير القرون، بل ولا فيما قاله ورآه الإمام مالك


(١) رواه الحاكم وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو في الصحيحة برقم (٢٨٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>