للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا الدين خدمات جلى، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة السنية: أبو حنيفة النعمان، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل ، وهم الذين يسر الله أن تدون أقوالهم، وتخدم اجتهاداتهم، وتنتشر مذاهبهم في أصقاع الأرض، فضبطت المسائل، وحررت الأقوال، وقربت إلى العامة في مصنفات مرتبة مبوبة وكثيرا ما تكون مدللة مسببة.

قال القاضي عياض في مقدمة كتابه المدارك بعد أن شرح حاجة غالب الناس إلى ضبط العلم وتنسيقه وجمع الأقوال وتقريبها لهم بعيدا عن ذكر الخلاف الذي لا قدرة لغالب الناس على استيعابه: «اعلموا وفقنا الله تعالى وإياكم أن حكم المتعبد بأوامر الله تعالى ونواهيه المتشرع بشريعة نبيه طلبُ معرفة ذلك وما يتعبد به، وما يأتيه ويذره، ويجب عليه ويحرم، ويباح له ويرغب فيه، من كتاب الله تعالى وسنة نبيه ، فهما الأصلان اللذان لا تعرف الشريعة إلا من قبلهما، ولا يعبد الله تعالى إلا بعلمهما، ثم إجماع المسلمين مرتب عليهما، ومسند إليهما، فلا يصح أن يوجد وينعقد إلا عنهما، إما من نص عرفوه، ثم تركوا نقله، ومن اجتهاد مبني عليهما على القول بصحة الإجماع من طريق الاجتهاد، وهذا كله لا يتم إلا بعد تحقيق العلم بذلك الطريق، والآلات الموصلة إليه: من نقل ونظر وطلب قبله، وجمع وحفظ وعلم، وما صح من السنن واشتهر، ومعرفة كيف يتفهم، وما به يتفهم من علم ظواهر الألفاظ، وهو علم العربية واللغة، وعلم معانيها، وعلم موارد الشرع ومقاصده، ونص الكلام، وظاهره وفحواه، وسائر نواحيه، وهو المعبر عنه بعلم أصول الفقه، وأكثره يتعلق بعلم العربية، ومقاصد الكلام والخطاب، ثم يأخذ قياس ما لم ينص عليه على ما نص، بالتنبيه على علته أو شبيهاً له، وهذا كله يحتاج إلى مهلة، والتعبد لازم لحينه، ثم إن الواصل إلى هذا الطريق وهو طريق الاجتهاد، والحكم به في الشرع قليل، وأقل من القليل بعد الصدر الأول، والسلف الصالح، والقرون المحمودة الثلاثة، وإذا كان هذا فلا بد لمن لم يبلغ هذه المنزلة من المكلفين أن يتلقى ما تُعُبد به، وكلف به من وظائف شريعته ممن ينقله له، ويعرفه به، ويثبته عليه، في نقله وعلمه وحكمه، وهو التقليد، ودرجة عوام الناس بل أكبرهم هذا … ».

<<  <  ج: ص:  >  >>