للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي فرط في هذا البناء العلمي الشامخ الذي شيده أسلافنا، لزعمه أن في الاشتغال به إعراضا عن الكتاب والسنة والحال أن عمل أولئك العلماء الأفذاذ من الأئمة ومن اشتغل بمذاهبهم من أهل البصيرة ما كان إلا للحفاظ عليهما وتبليغهما، يشهد لذلك ما أثر عنهم من ذمهم التعصب والتقليد والغلو في الناس، ولو كانوا أهل علم، فما قاله هؤلاء من لزوم الإعراض عن هذين الأصلين للتمذهب بقيده ليس بلازم، بل هو خدمة لذينك الأصلين.

أما الفريق الثاني فهو الغالي الذي تعصب، وبلغ الأمر ببعض أفراده أن اتخذ أقوال أهل العلم واجتهاداتهم التي يؤجرون عليها أصابوا أم أخطأوا دينا يلتزم، فوضعوهم موضع العصمة، ولازم صنعهم الإزراء بكل مخالف لما هم عليه من باقي الأئمة وغيرهم من الصحابة ومن تلاهم من القرون المفضلة، مع أن أئمة المسلمين حذروا من هذا كله، والعصمة عند أهل السنة والجماعة إنما هي لصاحب الشريعة ، ولمجموع الأمة، والواقع شاهد بأن كثيرا من هؤلاء المتعصبة تجازوا الفقه المذهبي الرصين المؤسس إلى ما يرونه مما تسلكه بعض البلدان في المرجعيات الوطنية التي تتصرف فيها كيفما شاءت بالتضييق والتوسيع.

ولئن كانت هذه النهضة المتمثلة في الدعوة إلى التمسك بالسنة، والحرص عليها، وقد عمت بحمد الله كثيرا من بلدان العالم الإسلامي في العصر الحديث منذ نحو نصف القرن، مسبوقة بأعمال جليلة قام بها علماء الإسلام على مر العصور جزى الله تعالى روادها ومن قاد الناس إليها وبذل ما استطاع من جهد في سبيلها، ولا شك أن في هؤلاء العلماء من ينطبق عليهم قول رسول الله : «إن الله ﷿ يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها»، رواه أبو داود عن أبي هريرة، لئن كان الأمر كذلك فإن الصحوة لم يراع فيها التدرج المطلوب، ولم يلحظ فيها الاتزان المرغوب، لقد رافقتها حدة وشدة هي ردة فعل على ما كان سائدا في الناس وما يزال ولئن كان مطلوبا أن يلتمس العذر لأولئك الرواد، إلا أن ذلك لا يمنع من بيان الخلل، فإن الداعي إلى الله لا يكتسب الحرارة الدعوية من المحيط فيغلو، ولا يتأثر ببرودته فيجفو، حرارته ذاتية إيمانية مستمرة، وعمله دائب بيد أنه متدرج، وهو بعيد عن أن يستخف من أي ناكب من المفرطين والمفرطين، كما قال الله

<<  <  ج: ص:  >  >>