للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن» (١)، وقول ابن عباس وهو في الصحيح أيضا: «كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن» (٢)، فهذا مراد المؤلف من التشبيه، ولا داعي لتكلف غير ذلك.

أما أن تعليمهم الأحكام أوكد من تحفيظهم القرآن كما قالوا؛ فنعم، فإن الواجب تعلمه عينا من القرآن إنما هو الفاتحة، والباقي من فروض الكفاية، على القول بعدم وجوب ما زاد على الفاتحة في الصلاة، وفيه نظر، فإن الظاهر من الحديث وجوب الزيادة ما لم يأت الإجماع على خلافه، والمراد بحروف القرآن كلماته أو آياته، ولا ينبغي الاشتغال بكلام من فسرها بالحروف الهجائية قائلا: «إن الولدان أول ما يعلمون الحروف ليتوصلوا إلى القرآن»، فإنها وإن كانت صالحة لإطلاقها عليها، فإنها غير مرادة هنا، إذ أن تعليم الحروف الهجائية لا يختص بكونها حروف القرآن، والحرف يطلق على القراءة، وقد قال النبي : «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه» (٣)، ومما جمع الأمرين قوله : «لا أقول ألم حرف، ولكن أقول ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» (٤).

وهذا يبين أن الناس في عهد المؤلف كانوا يهتمون بتحفيظ أولادهم القرآن الكريم، وذلك مما دأب المسلمون عليه منذ عهد الصحابة، فقد مكث عبد الله بن عمر على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها، رواه مالك بلاغا في موطئه، وقد كانوا يتعلمون العلم والعمل جميعا.

لكن من المطلوب أن يرفق الولي بالصبي بحيث لا يكلفه من العمل ما لا يطيقه، قال أشهب في سماعه من كتاب الجامع: «وسمعته يسأل عن صبي ابن سبع سنين جمع القرآن، قال: ما أرى هذا ينبغي، قال ابن رشد: «إنما قال هذا لا ينبغي؛ من أجل أن ذلك لا


(١) رواه البخاري (٧٣٩٠).
(٢) رواه مسلم (٤٠٣).
(٣) رواه البخاري (٤٩٩٢)، ومسلم (٨١٨).
(٤) رواه الترمذي (٢٩١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>