يكفي في إثبات الهلال إذا كان ذلك في موضع لا يعتنى فيه بمراقبة الهلال، قلت: هو شبيه بما ذهب إليه بعض أهل العلم من كفاية غير العدل في الشهادة متى تعذر وجود العدل كي لا تضيع الحقوق، ثم جاء التوثيق بالكتابة الرسمية الذي غدا لازما في هذا العصر ليحل محل هذا الذي كاد يفقد، ومن هذا القبيل الشروط المطلوب توفرها في الحاكم، فإنها في الغالب مفقودة، فهذا أمر معمول به اليوم وإن كان أهل العلم لا يتعرضون له ويتجاهلونه.
والمسألة لها علاقة باختلاف العلماء في إثبات الهلال: هل هو من قبيل الخبر؛ فيقبل فيه الواحد، أو من قبيل الشهادة؛ فلا يقبل إلا اثنان، والذي يظهر أنه إخبار، ولا سيما على أصل المالكية في لزوم الصوم للجميع كما بيّنه القرافي في الفروق، والشرع إنما احتاط في إثبات الحقوق باشتراط رجلين، أو رجل وامرأتين في الأموال، أو شاهد ويمين، أو أربعة رجال في إثبات الزنا، والمهم أن النص وهو حديث ابن عمر قد رجح الأول، وقال ابن العربي في العارضة (٣/ ٢١٠) إنهما سواء، ولكن الخبر الذي يشترط فيه العدد إنما هو في حق يقع فيه تنازع، فأما مناسك الله؛ فإن أصله يثبت بخبر الواحد فكيف تفصيل وجوبه»، انتهى، فانظر كيف ترك مذهبه للحق بما تبين له!!، وهو يريد بالأصل أننا ملزمون بالعمل بما تضمنه خبر الآحاد من أصول الشرائع، فكيف ينكر العمل بما فيها من التفاصيل، ومنها إثبات أوائل الشهور؟.
أما الفطر من رمضان؛ فقد قال الترمذي في باب ما جاء في الصوم بالشهادة:«ولم يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين»، وذكر مثله النووي في شرحه صحيح مسلم واستثنى أبا ثور.
وقد احتج بعضهم على عدم الإفطار إلا بشهادة اثنين؛ بما في حديث طاوس قال:«شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس فجاء رجل إلى واليها، وشهد عنده على رؤية هلال رمضان، فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته، فأمراه أن يجيزه، وقالا: إن رسول الله ﷺ أجاز شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان، وكان لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين»، وقد ضعفه الدارقطني لتفرد حفص بن عمر الأيلي به وهو ضعيف، وقد اعتبر الحافظ ﵀ في التلخيص الحبير هذا الحديث هو نفسه حديث ابن عمر المتقدم