للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الأعراف [٧: ٤٦]

{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}:

{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ}: بين أصحاب الجنة، وأصحاب النار حاجز، وهو السور الذي ذكره الله تعالى في سورة الحديد، الآية (١٣) {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}.

{وَعَلَى الْأَعْرَافِ}: جمع عُرف: وهو أعلى الشيء، ولكل عالٍ عرف، مأخوذ من عرفُ الفرس، أو كل مرتفع من الأرض، ولأنه بسبب ارتفاعه يسير أعرف مما انخفض عنه؛ أيْ: على أعالي السور (الحجاب)، يقف أصحاب الأعراف، وهم الذين استوت حسناتهم، وسيئاتهم؛ فحبسوا على أعالي السور؛ حتى يقضي الله فيهم حكمه، وفي النهاية: يدخلون الجنة برحمة الله تعالى.

{رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}: رجال: أيْ: أصحاب الأعراف يعرفون كلاً بسيماهم، يعرفون كلاً من أصحاب الجنة، وأصحاب النار بسيماهم.

{بِسِيمَاهُمْ}: السيما: العلامة؛ أيْ: بعلاماتهم. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٢٧٣)؛ لمزيد من البيان.

فأصحاب الجنة يعرفون ببياض الوجه؛ كقوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: ١٠٦]، ونضرة النعيم: {تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: ٢٤]، وأما أصحاب النار: فيعرفون بسواد الوجه، وزرقة العيون.

{وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}: أن: المخففة؛ تفيد التوكيد، أو قيل: تفسيرية.

{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}: ولم يقولوا: السلام عليكم، جاء السلام بصيغة النكرة؛ ليدل على العموم، والشمول، فهو سلام التحية، والأمان، ودوام السلامة، ولتعلم: أن السلام في كل القرآن جاء بصيغة النكرة؛ إلا آية واحدة هي قول عيسى -عليه السلام- في سورة مريم، آية (٣٣): {وَالسَّلَامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}.

و {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}: جملة اسمية؛ تدل على الثبات، والدوام، وأقوى من لو قالوا: (سلاماً عليكم): جملة فعلية؛ تدل على التجدد، والتكرار، وليس الدوام والثبات، وأما السلام عليكم معرفة؛ فتعني: سلام التحية، المعروف في الإسلام فقط.

{لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}: لم يدخل أصحاب الأعراف، لم يدخلوا الجنة مباشرة، وهم يطمعون بدخولها مباشرة، ولكنه لم يحصل ذلك، وهم كانوا يطمعون في دخولها، ولكن حُبسوا على السور (الأعراف).

أو هذا إخبار من الله تعالى عن أصحاب الأعراف، إذا رأوا زمرة تدخل الجنة، يقولون: أن هؤلاء الداخلين لم يدخلوها، وهم يطمعون، ولكن هذه الزمرة دخلت الجنة برحمة الله تعالى، ولم تكن تطمع أن تدخلها، وفي الحقيقة: الكل لا يدخل الجنة إلا برحمة الله، وليس بعمله، والكل يطمع في ذلك.

حتى إبراهيم -عليه السلام- قال: {وَالَّذِى أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: ٨].