سورة النساء [٤: ٣٢]
{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْـئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا}:
سبب نزول هذه الآية: ثلاثة أقوال: أحدها: أن أم سلمة قالت: يا رسول الله: «يغزو الرجال، ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث» [رواه الحاكم والترمذي]، فنزلت هذه الآية.
الثاني: عن عكرمة: أن النساء قلن: وددنا أن الله جعل لنا الغزو، فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال، فنزلت هذه الآية.
والثالث: قال قتادة والسدي: لما نزلت آية {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ}: قال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا، كما فضلنا عليهنَّ في الميراث.
وقال النساء: إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال، كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا.
وقيل التمني: هو طلب الحصول على شيء أقرب ما يكون من المستحيل أو النادر ونهى الله عن مثل هذا التمني؛ كأن يتمنى الرجل مال غيره، أو تتمنى النساء أن يكنَّ رجالاً.
والتمني أنواع: أولاً: أن يتمنى الإنسان أن يحصل له مال غيره، ويزول عن الغير؛ فهذا هو الحسد.
ثانياً: أن يتمنى مثل ما لغيره، ولا يحب زوال المال عن الغير؛ فهذا هو الغبطة.
والحقيقة: أن الله يعلم ما يصلح العبد، وهو أعلم بمصالح عباده، فليرضَ كلٌّ بما قدَّر اللهُ له وقسم؛ فهو صادر عن حكمة وتدبر.
{وَلَا}: الواو: استئنافية، لا: الناهية.
{مَا}: ما: اسم موصول تعني الذي؛ أيْ: {وَلَا تَتَمَنَّوْا}: الذي فضل الله به بعضكم على بعض.
{فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}: سواء أكان في الرزق، أو المال، أو العافية، أو الجاه، أو الدِّين؛ لأن ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة، وتدبر، وعلم بأحوال العباد، وبما يصلح العبد.
كمثال قوله: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِى الْأَرْضِ} [الشورى: ٢٧].
وكقوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزخرف: ٣٢].
وفي ذلك نهي عن الحسد إلا في اثنتين، كما ورد في حديث البخاري: «لا حسد إلّا في اثنين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار».
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}:
{لِلرِّجَالِ}: اللام: لام الاختصاص، أو الاستحقاق.
{نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا}: حظ، النصيب: يكون في الشيء المحبوب، أو المكروه. نصيب من النعيم، أو العذاب، ويمكن أن يكون عادلاً، أو جائراً، بينما الحظ يكون إجمالاً في سياق الخير.
{مِمَّا}: أصلها: من + ما، من: ابتدائية.
{مِمَّا}: اسم موصول، أو مصدرية.
{اكْتَسَبُوا}: تعني: الثواب والعقاب بحسب الطاعة والمعصية. وقيل: الميراث. واكتسبوا من الاكتساب على وزن افتعل، أي: اكتساب خالطه جهد ومشقة.
{وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}: نفس تفسير للرجال نصيب.
{وَسْـئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}: التمني: نهى الله سبحانه عنه، وأباح الله سبحانه السؤال أو الطلب من فضله؛ الفضل: الزيادة عما يستحق العبد من كرمه وإحسانه، سواء في الرزق، أو العلم، أو الفقه في أمور الدِّين والجنة، والدرجات العلى.
واسألوا الله وحده، ولا تسألوا غيره، اسألوه ما تتمونه من النعم والأماني.
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا}: إن للتوكيد كان تشمل كل الأزمنة: الماضي، والحاضر، والمستقبل.
{بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا}: ارجع إلى الآية (٢٦).