{يَاأَيُّهَا النَّاسُ}: نداء إلى كافة النّاس الجنِّ والإنس، والهاء للتنبيه، وياء النّداء: نداء تحدٍّ.
{ضُرِبَ مَثَلٌ}: وضرب المثل يكون لإيضاح أمراً غير مفهوم أو غامض، والضّرب فيه معنى التهييج والتّأثير في نفس السّامع؛ لكي يصل ما يقوله ضارب المثل إلى أعماق نفس المستمع لعله يتأثر ويفكّر ويتدبّر فيما يقوله ضارب المثل.
ضُرب: بصيغة المجهول؛ لأنّ المهم هو المثل. ارجع إلى سورة النّحل آية (٧٤) لمزيد من البيان في معنى المثل.
{فَاسْتَمِعُوا لَهُ}: أي: أنصتوا إليه وافهموه جيداً.
{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}: إنّ للتوكيد، الّذين تدعون: تعبدون، من دون الله: من غير الله أو سوى الله، مثل الأصنام أو الأوثان، أو الأولياء أو عيسى أو عزير أو الملائكة أو الطاغوت، من: نزِّلت منزل العقلاء؛ وتعني الأصنام الّتي عبدوها وغيرها.
{لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}: لن: لنفي المستقبل القريب أو البعيد؛ أي: لن يخلقوا ذباباً في المستقبل القريب أو البعيد، ذباباً: اسم جنس واحدته: ذبابة، يقع على الذّكر والأنثى، ولو: شرطية، اجتمعوا له: ولو تعاون واجتمع لهذه المهمة العلماء وغير العلماء ومن في الأرض، أو تضافرت جهودهم وكان بعضهم لبعض ظهيراً. هذا التّحدي استعمل كمثل وأصبحت الآية كمثل يراد به تحدي قدرة علماء الأرض قاطبة على خلق ذبابٍ مهما تقدموا في العلم أو اكتشفوا واخترعوا.
{وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْـئًا لَا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ}: وإن: شرطية تفيد الاحتمال والشّك، يسلبهم الذّباب شيئاً بعد أن تحدّاهم بخلق ذبابٍ، وعلم سبحانه أنّهم لن يقدروا على ذلك، تحدّاهم بأقل من الخلق؛ وهو إعادة ما سلبهم الذّباب من طعام لا يستنقذوه منه: لا النّافية لكلّ الأزمنة، أي: لا يستطيع أحد أيضاً أن يُعيد ما أخذه الذّباب من طعام؛ لأنّ الله سبحانه أعطى القدرة لهذه الذبابة أن تفرز مادة من فمها مجرد أن تمتص أو تسلب أيَّ شيء هذه المادة المفرزة، لها القدرة على تحويل المادة المسلوبة إلى مادة أخرى تناسب معدة الذبابة قبل وصولها إلى معدتها ولم تعد نفس المادة الّتي سلبتها، ويستحيل إعادتها إلى أصلها، ومن هنا كان التحدي بأقل من الخلق.
{ضَعُفَ الطَّالِبُ}: إشارة إلى الإنسان غير القادر على استرجاع ما يسلبه الذباب.
{وَالْمَطْلُوبُ}: هي المادة الّتي سلبتها الذبابة: ضعُفت؛ لأنّها لم تبقَ على حالها الأصلية وتحولت إلى مادة ضعيفة، حيث أصبحت أقل تركيزاً وأسهل هضماً للذبابة، ولو كان الإنسان قادر على استرجاع ما سلبته الذباب لاسترجع شيئاً آخر غير المطلوب.