أسباب النزول: كما ذكر الواحدي في أسباب النزول: لما بنى المسلمون من بني عمرو بن عوف مسجد قباء؛ بعثوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فأتاهم؛ فصلى فيه؛ فقال المنافقون من الأنصار، وكانوا حوالي (١٢ رجلاً) من بينهم: أبو عامر الرّاهب: نبني نحن أيضاً مسجداً؛ كما بنوا مسجد قباء، ونرسل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي فيه، بنوه بأمر من أبي عامر الراهب؛ الّذي عادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد قدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهاجراً إلى المدينة؛ بنوه في زمن الخروج لغزوة تبوك، بنوه قريباً من مسجد قباء؛ ليضاهي مسجد قباء، ولا حاجة لبنائه إلا لإيقاع الفتنة، والاختلاف بين المؤمنين، وتفريق كلمتهم، وطلبوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القدوم إليه؛ ليصلي فيه، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستعد للخروج إلى تبوك؛ فقال لهم بعد العودة من تبوك، وبعد عودته -صلى الله عليه وسلم- من تبوك نزل الوحي، وأخبره بالأمر؛ فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جماعة من الصحابة وأمر بهدمه، ونزلت هذه الآيات.
{وَالَّذِينَ}: الواو: عاطفة. الّذين: اسم موصول يشير إلى المنافقين الّذين بنو مسجد ضرار.
{اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا}: اتخذوا؛ أيْ: بنوا مسجداً ضراراً: الضرار بمعنى المضارة لمسجد قباء، وسمِّي بعد ذلك مسجد ضرار؛ لأنه يقصد به الضرر بالمؤمنين، وإيقاع العداوة بينهم.
{وَكُفْرًا}: بنوه بأمر من أبي عامر الرّاهب؛ ليكون مقراً لصلاته فيه بعد عودته من الشّام بعد أن خرج إلى الشام؛ ليأتي بجند من الروم؛ ليخرج محمّداً وأصحابه من المدينة، ولدعم الكفر، والنّفاق.
{وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ}: للذين يصلون بقباء؛ فيأتي قسم فيصلي في مسجد ضرار، وقسم يصلي في قباء طمعاً في اختلاف كلمتهم.
{وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}: إعداداً وتجهيزاً لمجيء الّذي حارب الله ورسوله: هو أبو عامر الرّاهب، والّذي سمّاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو عامر الفاسق؛ الّذي كان ينتظر رجوعه من الشّام.
{مِنْ قَبْلُ}: من قبل بناء مسجد ضرار.
{وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}: وليحلفن: الواو: عاطفة، اللام: لام التّوكيد، يحلفن إن أردنا إلا الحسنى: إن أردنا: إن النّافية؛ أيْ: ما أردنا؛ إلا: أداة حصر، الحسنى: أيْ: ما أردنا ببنائه إلا الحسنى: الصّلاة، وذِكر الله، أو التّوسعة على المصلين، أو الرّفق بالمسلمين من المطر، أو الحر؛ لأنّ مسجد قباء لا يسع كلّ المصلين، وقيل: الحسنى: الجنة.
{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}: استعمل يشهد بدلاً من يعلم؛ لأنّ بناء المسجد ليس أمر غيبي، أو سر، أو عمل قلبي، وإنما عمل يشهده الكل الرّسول، والصّحابة، ولذلك قال: يشهد إنهم لكاذبون: إنّ: للتوكيد. لكاذبون: اللام: لام التّوكيد، كاذبون بقولهم: إن أردنا الحسنى ببناء المسجد، وكاذبون: جملة اسمية؛ تدل على الثّبوت.