للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ٨٥]

{ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْىٌ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}:

{ثُمَّ}: للترتيب، والتراخي الزمني.

فالخطاب موجَّه إلى اليهود في المدينة، الّذين عاصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

{أَنتُمْ}: ضمير منفصل، يفيد التّوكيد.

{هَؤُلَاءِ}: الهاء للتنبيه، أولاء: اسم إشارة، يفيد معنى التعجب، من حالهم، والإنكار عليهم.

{تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ}: إذا قتل غيره، ومن دون حق، فكأنما قتل نفسه (بالحروب).

{وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ}: بالجلاء والطرد، ومظاهرة الآخرين، والمظاهرة؛ هي المعاونة، والتظاهر هو التعاون، وأصله؛ الظهر؛ أي: أن يجعل كل واحد من القوم، أو الرجلين الآخر ظهراً له، يتقوى به، ويستند إليه، أو يساعده على الحمل، أو يحمل عنه.

{تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}: الإثم: في اللغة: التقصير، وأَثِمَ: أي: قصَّر، والإثم المعصية؛ كشهادة الزور، وشرب الخمر.

والإثم: الذنب القبيح الذي يستحق فاعله العقاب، ويشمل الصغائر والكبائر.

والعدوان: هو الظلم، والاعتداء على الآخرين.

فقد كان بنو قريظة، وهم من اليهود، حلفاء للأوس.

وكان بنو قينقاع وبنو النظير وهم من اليهود أيضاً حلفاء للخزرج.

وكل قبيلة أو طائفة تقاتل مع حليفها، فكان اليهودي من هذ القبيلة يقاتل مع حليفه، ضد اليهودي من القبيلة الأخرى، فيقتله أو يخرجه من بيته، وربما وقع أسيراً في يد الفريق الآخر، وإذا أُسر أحدهم، حاولوا دفع الفدية؛ ليفكوه من الأسر، طاعة لله تعالى، فوبخهم الله سبحانه، فقال -سبحانه وتعالى- : {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ}؛ وإن: للتوكيد.

{وَإِنْ}: للتوكيد {يَأْتُوكُمْ أُسَارَى}: جمع أسير، أو مأسور، وهو من يؤخذ بالغلبة، فيُشد بالإسار، وهو القيد، وأصل الأسر: الشد بالقيد، وأسير؛ تجمع على أسرى، وأسرى تجمع على أسارى (جمع الجمع).

{أُسَارَى}: جمع أسير. والذين هم في وثاق، أو الذين ليسوا في أيدي الأعداء.

وأُسارى: جمع أسرى، إذن أُسارى: جمع الجمع، كقوله -جل وعلا- : {مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الْأَرْضِ}. والأسرى: الذين هم في يد الأعداء.

{تُفَادُوهُمْ}: المفاداة: إعطاء شيء، وأخذ شيء مكانه؛ أي: تنقذوهم من الأسر بالفداء، بالمال، أو إبدال الأسرى.

{وَهُوَ}: ضمير منفصل، يفيد التّوكيد.

{مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ}: بالأصل؛ أي: محرم عليكم إخراجهم، أو إجلاؤهم من بيوتهم، ومحاربتهم؛ لكي لا يقعوا أسرى في يد عدوهم.

{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}:

{أَفَتُؤْمِنُونَ}: الهمزة؛ همزة استفهام إنكاري؛ للتوبيخ، وفيه فضيحة لهم.

{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ}: وهو فكاك الأسرى.

{وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}: وهو القتل والإخراج، وقال مجاهد: تفديه من يد غيرك، وتقتله أنت بيدك؟!

{فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْىٌ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

{فَمَا}: الفاء للترتيب، والمباشرة. ما: استفهامية.

{مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ}: من شرطية.

{ذَلِكَ}: اسم إشارة للبعيد، تعود على القتل والإخراج.

{مِنكُمْ}: خاصة؛ لأنكم أعطيتم العهد على الطاعة.

{إِلَّا}: أداة حصر.

{خِزْىٌ}: نكرة؛ للتهويل، والتعظيم، وتشمل: الذل، والفضيحة.

{خِزْىٌ}: ذل مع فضيحة، يقال: الرجل يخزي خزياً؛ إذا وقع في بلية؛ فذلّ، وأخزاه الله؛ أي: فضحه. وقيل: الخزي هو الشيء القبيح، الذي تكره أن يراك عليه النّاس.

{فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: أصابهم على يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمؤمنين، فخزي بني قريظة، كان بالقتل والسبي.

وخزي بني النظير وقينقاع كان بالجلاء، والنفي، من منازلهم، وديارهم.

{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}: الواو: استئنافية. وسمي يوم القيامة؛ لقيام أمور ثلاثة: فيه:

١ - قيام النّاس من قبورهم لرب العالمين؛ كما قال تعالى: {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: ٥-٦].

٢ - قيام الأشهاد؛ الّذين يشهدون للرسل، وعلى الأمم.

٣ - قيام العدل.

{يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}: أي: عذاب النار، وجهنم، ويعني: العذاب الأليم الدائم.

أي: ما أصابهم في الدّنيا من خزي، لم يكن لهم كحدٍّ؛ أي: لم يكن نتيجة إقامة حدود الله عليهم، ولو كان حدّاً؛ لما ردُّوا يوم القيامة أشد العذاب.

{يُرَدُّونَ}: من الرد، هو الرجوع بكراهة؛ أي: وأنت مكره مجبر.

وأصل الردّ: الذهاب من مكان، وعدم النية في العودة إليه، ثم تجبر على العودة إلى المكان نفسه، فهذا يسمى ردّاً، وليس رجوعاً. الرجوع يكون بنية؛ أي: قصد، وإرادة، وإلى نفس المكان الذي خرج منه.

{وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}:

{وَمَا}: الواو: عاطفة. ما: النّافية؛ أشد نفياً من ليس.

{بِغَافِلٍ}: الباء للإلصاق، والتوكيد. غافل: غير منتبه، أو مطلع على ما تعملون. ارجع إلى الآية (٧٤) من نفس السورة لمزيد من البيان.

{عَمَّا}: عن + ما. عن: تفيد المجاوزة والمباعدة، وما: اسم موصول؛ بمعنى الذي، أو مصدرية؛ أي: ما عملتم.

{تَعْمَلُونَ}: تعني: الأفعال والأقوال، فالعمل يشمل (القول والفعل).