بعد أن عدد نعمه سبحانه عليهم، ورزقهم من الطّيبات، وجعل لهم من أنفسهم أزواجاً، وبنين، وحفدة؛ كان من الواجب أن يعبدوه لنعمه، وفضله عليهم، ولكنهم عبدوا غيره، وأشركوا به.
{وَيَعْبُدُونَ}: العبادة لغةً: الذل والخضوع، والعبادة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من: الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة، والزكاة، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار، واليتيم، والمسكين، والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وخشية الله تعالى، والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضاء بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادات؛ فالعبادة: هي طاعة الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وتشمل العبادات الظاهرة والباطنة (العبادات القلبية) من الأقوال، والأفعال الظاهرة والباطنة، ولا تكون إلا لله وحده، ولا تكون إلّا مع المعرفة بالمعبود، وتعني: كمال الحب لله مع كمال الذل لله سبحانه، كما قال ابن القيم وهي الغاية من خلق الجن والإنس، ولها أجر وجاء بصيغة المضارع؛ للدلالة على التّجدد، والتّكرار، والاستمرار عليها. ارجع إلى سورة الأنبياء، آية (١٠٦)؛ لمزيد من البيان.
{مِنْ دُونِ اللَّهِ}: من غير الله؛ أيْ: بدلاً من عبادته وحده سبحانه عبدوا غيره من الأصنام، والأوثان الّتي لا تملك لهم رزقاً من السّموات والأرض مهما كان نوعه.
{مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: ما: اسم موصول، وهي أوسع من الّذي للعاقل، وغير العاقل.
{لَا}: النّافية للمستقبل، والحاضر.
{يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: مثل: المطر، أو الطّاقة الشّمسية، والنجوم المليئة بالمعادن، والأرض: مثل النّبات، والبترول، والغاز، والمعادن… وغيرها. شيئاً: نكرة لا تملك لهم نفعاً، ولا ضراً.
{وَلَا يَسْتَطِيعُونَ}: الاستطاعة: هي القدرة على فعل الفاعل مما يريده من أحداث الفعل.
والقدرة: أعم من الاستطاعة، والاستطاعة: أخص من القدرة، وتكرار (لا): يفيد توكيد النّفي.