للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة آل عمران [٣: ١٤٤]

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِين مَاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْـئًا وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}:

{وَمَا}: الواو: استئنافية. ما: النافية.

{مُحَمَّدٌ}: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ورد اسمه -صلى الله عليه وسلم- (محمد) في القرآن في أربع آيات فقط هي:

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: ١٤٤].

{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِّجَالِكُمْ} [الأحزاب: ٤٠].

{مُّحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ} [الفتح: ٢٩].

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَّبِّهِمْ} [محمد: ٢].

وورد اسمه -صلى الله عليه وسلم- أحمد مرة واحدة في سورة الصف، آية (٦).

وخوطب بـ (يا أيها النبي) و (يا أيها الرسول) في بقية الآيات. ارجع إلى سورة المائدة، آية (٤١)؛ للبيان.

وكلمة محمد، أو أحمد من مشتقات الحمد؛ أي: فعل حمد.

فقالوا: أحمد وقع الحمد منه لغيره، فأحمد هو أحمدُ خلقِ اللهِ للهِ، أو أحمدُ البشرِ للهِ، وأكثر حمداً مما لو قال اسمه حامد مثلاً.

ومحمد: ذات يقع عليها الحمد من غيرها؛ أي: يحمده الكثير من الخلق، أكثر مما لو قال اسمه محمود مثلاً.

ولرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسماء أخرى بالإضافة إلى محمد وأحمد؛ الحاشر، والمُقَفَّى، والماحي، ونبي الرحمة وطه.

{إِلَّا}: أداة حصر.

{رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}: كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً، إذن: رسول يعني: نبي كذلك. قد: للتحقيق والتوكيد.

وما: للنفي، محمد إلا: للحصر، رسولٌ: حتى لا يظن أحدٌ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يموت، ولا يُقتل، أو يصبه ما يُصيب غيره من الجراح.

{خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}: أي: مضت من قبله الرسل.

{أَفَإِين مَاتَ}: قيل: نزلت هذه الآية يوم أُحد حين قال قوم من المنافقين: قتل محمد، فالحقوا بدينكم الأول. وقال آخرون: لو كان نبياً ما قُتل.

{أَفَإِين}: الهمزة استفهام فيها معنى التحذير من الانقلاب على الأعقاب، وكلمة {أَفَإِين مَاتَ} وردت في موت الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقط، فالله خصه بهذه الكلمة؛ ليلفت النظر إلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشر وسيموت، كما مات سائر الرسل من قبله؛ أي: سيخلو كما خلوا؛ لأنهم اعتقدوا أنه ليس كسائر الرسل ولن يخلو كما خلوا، وهذا في اللغة يسمى فن القصر، قصر قلبي.

{مَاتَ أَوْ قُتِلَ}: كلاهما يؤدِّي إلى فقدان الحياة.

ولكن الموت، والذهاب بالحياة في القتل يكون بنقض البنية؛ أي: البدن الذي يصبح غير ملائم لسكن الروح؛ مما يؤدِّي إلى خروج الروح؛ فالقتل: هو إرغام الروح على الخروج من البدن الذي تغيَّر.

وأما في الموت الطبيعي هو الذهاب بالروح أولاً؛ أي: خروج الروح أولاً، والبدن سليم حين خروجها، وبعد خروجها يموت البدن.

ففي الموت العادي: فالروح تخرج أولاً؛ مما يؤدِّي إلى موت البدن. وأما في القتل: البدن يموت أولاً، أو يتغير (يصبح غير صالح كسكن للروح) مما يرغم الروح على الخروج.

كان موته -صلى الله عليه وسلم- يوم الإثنين، وهو كذلك يوم دخوله -صلى الله عليه وسلم- المدينة.

{انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}: الانقلاب: العودة، أو الرجوع إلى حالة غير الحالة التي كانوا عليها سابقاً. ولو عادوا إلى ما كانوا عليه من قبل؛ لقال: رجعتم فالانقلاب هو غير الرجوع.

فالانقلاب: هو الرجوع، ولكن إلى غير الحالة السابقة التي كانوا عليها. مثال: انقلب الطين خزفاً، ولا تقل رجع الطين خزفاً؛ لأنه لم يكن قبل ذلك خزفاً. وشبه سبحانه من ارتد عن دينه بالرجوع على الأعقاب (جمع عقب: وهو مؤخَّر القدم)، وهذا يسمى استعارة في علوم الجمال اللغوي.

أعقابكم: جمع عقب: وهو مؤخَّر القدم.

انقلبتم على أعقابكم؛ أي: رجعتم كفاراً بعد الردة (ارتددتم إلى الكفر)، وكذلك قد تعني: رجعة القهقرى من أرض المعركة؛ أي: فررتم من أرض المعركة خوفاً من القتل، أو فررتم من أرض المعركة؛ لكونكم سمعتم أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- قُتل.

{وَمَنْ يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ}: ومن: الواو: استئنافية، من: شرطية، ينقلب على عقبيه؛ أي: يرتد عن دينه، أو يترك أرض المعركة، وينقلب إلى المدينة، فلن يضر الله شيئاً.

{فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْـئًا}: شيئاً بكل تأكيد، وشيئاً: نكرة؛ أي: لن يضر الله تعالى شيئاً قليلاً، أو كثيراً، والشيء هو أقل القليل، وإنما ضره يعود على نفسه.

{فَلَنْ}: الفاء: للتوكيد، ولن: حرف نفي للمستقبل القريب، أو البعيد؛ لأن الله سبحانه أزلاً، وقبل أن يخلق شيئاً له صفات الكمال، فخلق الخلق، وعبادتهم أو عدمه لا يُغيِّر في صفات كماله سبحانه.

{وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}: الواو: استئنافية، والسين: للمستقبل القريب. الشاكرين: هم الذين لم ينقلبوا (بالإدبار من أرض المعركة، أو الارتداد عن الإسلام، أو استشهدوا في سبيل الله يوم أحد). وإذا نظرنا إلى الآية التالية (١٤٥) وهي قوله تعالى وسنجزي الشاكرين: نجد أن الآية (١٤٤) صرح بالفاعل، والآية (١٤٥) أخفى الفاعل؛ لأنه تقدم ذكره في الآية السابقة (١١٤).

وسماهم شاكرين: لأنه اعتبر ثباتهم شكراً لله، وكذلك قتلهم في سبيل الله تعالى شكراً، والثبات والصبر في أرض المعركة، أو الاستشهاد يستوجب الجزاء؛ أي: الثواب من الله تعالى بأعظم الأجور، وأحسن المثوبات في الدنيا والآخرة.