أوحينا إلى موسى: وألق ما في يمينك، ولم يقل عصاك؛ أي: اطرح ما في يمينك (وهي عصاه)، ولكنه لم يقل عصاك؛ لأنّها ليست من جنس العصيّ المعهودة، بل هي آية خارجة عن حدود سائر العصيّ المعهودة.
{وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ}: نكرة؛ لأنّها غريبة التّصرف، وأبهم وقال: ما في يمينك؛ للتهويل، والتّعظيم؛ لأنّها عصا لا يحيط بعلمها إلا الله الّذي خلقها.
{تَلْقَفْ}: تبتلع ما صنعوا؛ أي: من السّحر، حيث سحروا أعين النّاس فأصبحوا يروا أنّ الحبال والعصيّ الّتي ألقاها السّحرة حيات تسعى، تلقفْ بالسّكون، وفي آيات أخرى تكون مضمومة؛ أي: تلقفُ {فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}[الأعراف: ١١٧]، فما الفرق بينهما؟
تلقفْ: بالسكون تدل على أنّ اللقف لم يحدث بعد، وسيحدث قريباً.
بينما تلقفُ: بالضّم: تدل على أنّ اللقف والابتلاع واقعٌ ويحدث الآن، وقيل: أصل تلقف: تتلقّف وتلقّف حذفت منها التاء؛ لتدل على قصر الزّمن الّذي تحتاجه لابتلاع الحبال، والعصيّ؛ أي: تدل على السّرعة، وتتلقّف: تحتاج إلى زمن أطول فتدل على البطء.
{إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ}: إنّما: كافة مكفوفة تفيد الحصر والتّوكيد؛ أي: ما صنعوا، أو قاموا به مجرّد سحر، أو ما صنعوا، أو قاموا به كيدٌ؛ أي: تدبير خفي يقوم به السّاحر؛ ليوهم الأعين أنّ ما تراه حقٌّ، وهو باطلٌ، وتعني: فلا تبالِ بكثرة حبالهم وعصيِّهم.
{يُفْلِحُ السَّاحِرُ}: لا يفوز، أو لا يأمن السّاحر مهما أوتي من قدرة على السّحر، وأينما كان وحيث سار.
{حَيْثُ أَتَى}: من حيث أقبل، هناك فرق بين كلمة حيث، وكلمة أين.
حيث: تدل على المكان الخاص، وليس كلّ مكان (الإطلاق) كما هو الحال في كلمة "أين" الّتي تدل على الإبهام والإطلاق في المكان، ولم يقل من حيث جاء؛ لأنّ "أتى" أعم من "جاء"، وجاء فيها معنى المشقة، أو الصعوبة، وأتى تحمل معنى السهولة.