كما ورد في الآية السّابقة ينشئ النّشأة الآخرة؛ أي: يبعث الله العباد للحساب والجزاء على أعمالهم فيعذب أهل الكفر والشّرك والمكذبين بالله ورسله والعصاة إذا لم يتوبوا، ويرحم أهل طاعته أو الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات. وبدأ بذكر العذاب في هذه الآية قبل ذكر الرّحمة، وكذلك قدم العذاب على المغفرة في آية أخرى فقط في سياق السارق والسارقة، فقال تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}[المائدة: ٤٠]. ارجع إلى تلك الآية لمزيد من البيان. بينما في آيات أخرى يقدّم المغفرة على العذاب كقوله تعالى:{يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}[المائدة: ١٨]، وقدّم العذاب في هذه الآية؛ لأنّها جاءت في سياق المكذبين بالبعث والمعرضين عن آيات الله، فناسب ذكر العذاب قبل الرّحمة لإنذار هؤلاء الأشقياء.
{وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ}: أي وإليه ترجعون.
١ - تقديم إليه (بدلاً من القول تقلبون إليه) تقديم الجار والمجرور للحصر والقصر؛ أي: إليه وحده تقلبون للحساب والجزاء.
٢ - استعمل (تقلبون) بدلاً من ترجعون؛ لأنّ الرّجوع يكون عودةً للحالة الأولى الّتي خرج فيها أو كان فيها، أما (تقلبون) ففيه معنى الرّجوع ولكن إلى حالة جديدة غير الحالة الأولى، فهم كانوا في الدّنيا وبعد البعث يقلبون للعذاب أو للرحمة إما النّار وإما الجنة، ولو أنّهم يرجعون إلى الدّنيا لقال إليها يرجعون. وأما قوله تعالى:{إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} للحساب والجزاء، وهكذا قد يكون في الدنيا، أو في الآخرة.
٣ - تقلبون: بغير إرادتكم أو مشيئتكم؛ أي: قسراً وقهراً.