للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الأنعام [٦: ٧٠]

{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِىٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}:

{وَذَرِ الَّذِينَ}: أيْ: اتركهم، أو أعرض عنهم.

{اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا}: اللعب: هو كل فعل لا يُلهي عن واجب ويسمى اللعب لهواً إذا شغل الإنسان عن واجب اتخذوا دِينهم لعباً ولهواً بالسخرية، والاستهزاء، وعبادة الأصنام، وتحريم البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام؛ لعباً ولهواً: ارجع إلى الآية (٣٢) من سورة الأنعام؛ للبيان, وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (٥١) في سورة الأعراف نجد أن في هذه الآية قدم اللعب على اللهو, وفي آية الأعراف قدم اللهو على اللعب, وذلك لأن آية الأنعام جاءت في سياق الحياة الدنيا وسياق الخوض في آيات الله الذي يعتبر لعباً أكثر مما هو لهواً، وأما آية الأعراف جاءت في سياق الآخرة وقدم اللهو على اللعب؛ ارجع إلى سورة الأعراف للمقارنة.

{وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}: وغرتهم: من الغرور، الخداع، الباطل، الفاني، أو الغفلة، أو إظهار ما هو خلاف الحقيقة، خدعتهم الحياة الدنيا، وألهتهم بمتاعها، الفاني، الزائل، حتى ضيعوا آخرتهم.

{وَذَكِّرْ بِهِ}: بالقرآن، وقد تعني بالعذاب، أو الحساب، وبعاقبة المخالفة لمنهج الله.

{أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ}: البسل: هو القهر، والمنع بالحبس، أو تسليمه إلى الهلاك.

{أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ}: أن: مصدرية؛ للتعليل، والتوكيد.

فالمعنى: وذكر بالقرآن؛ لئلا تهلك نفس، أو تحبس في النار، بما: الباء: للإلصاق، والسببية؛ أيْ: بما كسبت من الذنوب والآثام. ولبيان معنى كسبت ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٨٦) للبيان المفصل.

{لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ}: من غير الله.

{لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِىٌّ وَلَا شَفِيعٌ}: ارجع إلى الآية (٥١) من نفس السورة؛ للبيان.

ونفي العثور على الشفيع في الآخرة أشد من العثور على الولي في الدنيا؛ لأن هذه الآية جاءت في سياق الدنيا، وفي الدنيا قد يجد الظالم من ينصره، ويعينه، ويشفع له إلى حد ما.

ولا أحد يستطيع الشفاعة {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِىَ لَهُ قَوْلًا} [طه: ١٠٩]؛ لأنه لا يعلم أنه مؤهل، أو غير مؤهل، وهل يسمح له؟ وإن سمح له هل تقبل منه شفاعته، أم لا؟

{وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا}: العدل: هو الفدية، وعادة ما يكون بالمال. ارجع إلى سورة المائدة، آية (٣٦)؛ للبيان.

{وَإِنْ}: الواو: عاطفة. إن: شرطية؛ تدل على القلة، أو الندرة، إن تعدل كل عدل؛ أيْ: تقدَّم كل فداء، مهما كان، لن يؤخذ منها.

{أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا}: أولئك: اسم إشارة، تحمل معنى التحقير، أبسلوا: أيْ: هلكوا، أو حبسوا في الجحيم.

{بِمَا كَسَبُوا}: الباء: السببية، وللإلصاق، بما كسبوا: بسبب كفرهم، وذنوبهم، أو بسبب ما كسبت جوارحهم من الآثام والمعاصي.

{لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ}: لهم: اللام: للاختصاص، شراب من حميم: ماء: حار، بالغ نهاية الحرارة.

{وَعَذَابٌ أَلِيمٌ}: شديد الإيلام، {بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}: بكفرهم، وعصيانهم، الباء: باء السببية، وما: مصدرية، أو اسم موصول، ولم يقل: بما كفروا، وإنما: يكفرون: بصيغة المضارع؛ الدالة على تجدد كفرهم، واستمراره؛ فهو لم يتوقف بعد.