سورة آل عمران [٣: ١٩]
{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}:
شهد الله أنه لا إله إلا هو، وشهد الله أنه لا إله إلا هو قائماً بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وشهد أن الدِّين عند الله الإسلام، وكذلك شهد الملائكة، وأولوا العلم نفس الشهادة.
{إِنَّ الدِّينَ}: إن: للتوكيد؛ أي: لا دين عند الله إلا الإسلام، وهذا الدِّين هو الحق، وهو الدِّين القيم. ارجع إلى سورة البقرة، آية (١٣٢)؛ لمعرفة معنى كلمة الدِّين والملة.
{عِنْدَ اللَّهِ}: جاءت للتوكيد؛ لتؤكد حصراً، وقصراً: أن الدِّين عند الله هو الإسلام: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥].
وأما اليهودية، والنصرانية: فهي ديانات، وليستا ديناً، أو أدياناً، بل رسالات سماوية؛ لقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨]، والإسلام يعتبر ديناً، ويمكن أن يطلق عليه ديانةً أحياناً.
الدِّين: من دان؛ أي: أطاع، ودان له؛ أي: أطاعه.
ودان: اعتقد، ودان به؛ أي: اعتقده.
والدِّين: هو الشرع الذي أنزل الله سبحانه من آدم -عليه السلام- إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهو دين الرسل جميعاً، وهو يشمل الملة، والشريعة، والأحكام، والكتاب، والسنة، فموسى -عليه السلام- دينه الإسلام، وشريعته، أو ديانته اليهودية.
وعيسى -عليه السلام- دينه الإسلام، وشريعته، أو ديانته النصرانية.
ومحمد -صلى الله عليه وسلم- دينه الإسلام، وشريعته، أو ديانته الإسلام.
والإسلام بالنسبة للرسالات السابقة كان وصفاً، وأما بالنسبة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو وصفٌ واسمٌ ودينٌ كاملٌ، والإسلام لغة يعني: الاستسلام، والخضوع لأوامر الله تعالى وطاعته، ويعني: السلام، والأمن، وجوهره التوحيد: توحيد الألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات، وتهذيب وإصلاح الفرد، والمجتمع بالعمل الصالح.
{وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}:
وما: الواو: عاطفة، ما نافية.
{اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}: اليهود والنصارى.
اختلف: الخلاف عدم الاتفاق في الشرع، وهو مذموم، وهو من مظاهر الهوى.
١ - أوجه الاختلاف في مسألة التوحيد، والعقيدة في لا إله إلا الله، أو اختلفوا، قالت اليهود: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء.
أو اختلفوا في عيسى فقالوا: ابن الله، ثالث ثلاثة، أو هو الله.
أو اختلفوا في عزير، أو اختلفوا في نبوَّة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأن الدِّين هو الإسلام.
٢ - ومتى حدث الاختلاف: من بعد ما جاءهم العلم؛ أي: الحق؛ أي: القرآن بأن الله واحد، وعيسى عبده ورسوله، ومحمد عبده ورسوله.
٣ - سبب الخلاف: الحسد بغياً بينهم، وطلباً للسلطة، والقوة، والمال، والاستعلاء.
{وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}: ومن: شرطية، يكفر؛ أي: يستر آيات الله، (وسمي ذلك كفراً) بسبب الاختلاف، أو البغي.
بآيات الله: الباء: للإلصاق؛ أي: يسترها، أو يجحد بها، ولا يؤمن بالآيات الحاملة لشرائعه ودينه.
فإن: الفاء: رابطة لجواب الشرط، إن الله: للتوكيد. سريع الحساب: في الدنيا إذا شاء، وقد يؤجِّله سبحانه إلى الآخرة، وهو سريع الحساب في الآخرة أيضاً.