سورة طه [٢٠: ٤٠]
{إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى}:
{إِذْ}: ظرف للزمن الماضي تقديره: واذكر إذ تمشي أختك، ويمكن ربطها بالآية السّابقة: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ} إذ تمشي أختك فتقول: هل أدلكم على من يكفله، هذا أحد الأمثلة على هذه الصّناعة، وهذه الآية يمكن ربطها بالآيتين (١١-١٢) من سورة القصص: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}، ومعنى قصّيه؛ أي: بعد أن ألقته أمه في اليم (نهر النّيل) قالت أمّ موسى لأخت موسى: قصّيه؛ أي: اتبعي أثره، أو خبره، فعلمت أنّه أمسى في بيت فرعون، وبعد ذلك علمت أنّهم يبحثون له عن مرضع حيث كان موسى يرفض الرّضاعة من المرضعات، وكما قال تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: ١٢]؛ عندها تدخّلت أخته بخفاء، واقترحت للباحثين لموسى عن مرضع بقولها:
{هَلْ أَدُلُّكُمْ}: هل: حرف استفهام أقوى وآكد في الاستفهام من الهمزة فعل أأدلكم، تحمل معنى العرض، أدلكم: أخبركم: أعلمكم.
{عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ}: على: تفيد العلو والمشقة. من: ابتدائية؛ أي: يكفل إرضاعه، أو: هل أدلكم على مرضع له يمكن أن يقبل ثديها، أو تتعهد إرضاعه؟
{فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا}: الفاء: للترتيب والمباشرة، رجعناك: من الرّجوع؛ يعني: أن تعود إلى الحال الّتي كنت عليها قبل ترك المكان الّذي خرجت منه، وهناك فرق بين رَجَعَ وبين رجعك وأرجعك، رَجَعَ: فعل لازم؛ أي: رجع بذاته وبإرادته، أمّا فرجعناك: كما في هذه الآية، وكذلك قوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ} [التّوبة: ٨٣]، فعل متعدٍّ يعني: أرجعه الله سبحانه، أو غيره، فرجعناك إلى أمك؛ أي: الله سبحانه وتعالى هو الّذي أرجعه إلى أمّه؛ كي يرضع منها، وتقر عينها، وفي سورة القصص آية (١٣) قال تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ}؛ ارجع إلى سورة القصص آية (٧) لبيان معنى رادوه إليك.
{كَىْ}: للتعليل الحقيقي؛ أي: السّبب الحقيقي لإرجاعه.
هو أن {تَقَرَّ عَيْنُهَا}: تُسر وتطمئن، وترتاح، وتقر؛ تعني: تثبت وتسكن، ولا تبحث عنه، وليس الإرضاع هو السّبب. ارجع إلى سورة الفرقان آية (٧٤) لمزيد من البيان في معنى تقر عينها.
{وَلَا تَحْزَنَ}: الحَزَن: ضيق في الصّدر دائم كالهم من فقدان ولد، أو ضياع مُلك، وموت بسرطان، فلولا أن رجعناك إلى أمّك لاستمر حَزَنُها حتّى تموت، وفي سورة القصص الآية (١٣) قال تعالى: {كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. ارجع إلى سورة الأنعام آية (٣٣) لمعرفة الفرق بين الحَزَن والحُزن.
{وَقَتَلْتَ نَفْسًا}: حين دخلت المدينة على حين غفلة من أهلها، فوجدت فيها رجلين يقتتلان، فاستغاثك الّذي من شيعتك على الّذي من عدوه فوكزته فقضيت عليه. ارجع إلى سورة القصص، الآية (١٥-١٩).
{فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ}: الغم: الخوف الذي حصل من قتل القبطي (الّذي كان عدوه)، أو الحُزن المهلك.
{وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}: فتنّاك: من الفتنة؛ أي: عرضّناك لفتن كثيرة؛ أي: ابتلاءات كثيرة.
{فُتُونًا}: قد تكون مصدر، ويمكن أن تكون جمع: فتنة، مصدر لفعل: فتن، والفتنة أشد وأبلغ من الاختبار، وتكون في الخير والشّر، والابتلاء لا يكون إلا بتحمل المكاره والمشاق، أمّا الاختبار: قد يكون بشيء محبوب، أو مكروه؛ مثل: الذّهاب إلى مدين، والعمل عند شعيب، والجوع، والعطش، والفقر، بالعبد وفتناك الصّالح، والتّيه… وغيرها.
وأصل الفتنة: عرض الذّهب على النّار؛ ليتبين صلاحه من فساده، والتّعرف على حاله؛ فالله سبحانه يعلم منذ الأزل نتيجة هذه الفتن، وما سيقوم به العبد، وإجراء الفتنة لإقامة الحُجة على العبد، ويطلع العبد على نتيجة فتنته له.
{فَلَبِثْتَ}: اللبث: الإقامة المحددة بزمن معين.
{سِنِينَ}: سنين (٨-١٠ سنوات) والأرجح عشر سنوات.
{فِى أَهْلِ مَدْيَنَ}: أي: تعمل عند شعيب ومقيم في أهل مدين. ومدين: قيل: هو أحد أبناء إبراهيم، وأهل مدين قوم شعيب، ومدين تقع على ساحل البحر الأحمر جنوب العقبة.
{ثُمَّ}: للترتيب، والتّراخي في الزّمن؛ أي: بعد عشر سنوات (وهو الأرجح).
{جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى}: ثمّ جئت: رجعت من مدين إلى مصر (طور سيناء).
{عَلَى قَدَرٍ}: على ميعاد زمني ومكاني محدد قدّره الله تعالى؛ لتكليمك واختيارك للنبوة.