سورة الأنعام [٦: ١٢٥]
{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}:
{فَمَنْ}: الفاء: استئنافية، ومن: شرطية.
{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ}: فقد يسأل سائل: إذا كانت الهداية، أو الضلالة من إرادة الله، فما ذنب الذي يُضله الله؟! وما معنى يشرح صدره للإسلام، أو يجعل صدره ضيِّقاً حَرَجاً؟
للردِّ على هذا السؤال؛ لا بُدَّ من العلم اليقيني: أن الله سبحانه زود كل عبد بالعقل؛ أي: الفهم، ومقومات الإدراك، والإحساس، وبين له طريق الهداية، وطريق الضلال بواسطة رسله، وأنبيائه، وكتبه، وآياته، وغيرها من الوسائل، وترك له حرية الاختيار للسير، إما على طريق الهداية، والحق، والصراط المستقيم، والنجاة، أو السير على طريق الضلال، والباطل، والهلاك.
فمن اختار طريق الهداية، وسار عليها؛ أيْ: آمن، واتبع أوامر الله -جل وعلا- ، واجتنب نواهيه، ثم طلب المزيد من الهداية، والعون من الله أعانه الله، ووفقه للوصول إلى غايته، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: ١٧].
ومعنى: {يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ}؛ يعني: أن العبد يُقبل على دِينه، وعلى طاعة الله، وعبادته بعشق، وحب، وجد، بنفس مطمئنة، ويؤدِّي الفرائض، والتكاليف بخشوع، وكمال، ويكثر من النوافل، والذكر، وتلاوة القرآن، ويستقيم على ذلك، ويرتقي في سلم التقوى، والإحسان، وإسلام الوجه حتى يلقى ربه.
{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَاءِ}: ومن اختار طريق الضلال، والباطل، والهلاك، ورفض الإيمان بالرسل، والكتب، وما أنزل الله، ولم يتب، وسار في ضلاله، وغيه؛ تركه الله سبحانه وشأنه، ووفقه إلى غايته ومبتغاه، فهذا العبد سيجد صدره ضيِّقاً غير واسع وضيقاً يدل على ضيق ثابت وليس ضائقاً (الذي يدل على أنه ضيق عارض غير دائم) حَرَجاً، لا يتَّسع لسماع موعظة، أو آية، أو حديث، بل ويعطل سمعه وبصره عن كلِّ ما ينفعه، ويتَّبع هواه وخطوات الشيطان، ويخلد إلى الأرض؛ حتى يلقى ربَّه.
وشبَّه الله هذا العبد الذي يشعر بضيق في صدره، ويعرض عن سبيل الله بالذي يصعد إلى المرتفعات العالية، الأمر الذي يؤدِّي به إلى الشعور بضيق الصدر، وصعوبة في التنفس، والشعور بالهلاك من نقص الأوكسجين، وانخفاض الضغط الجوي، وتراكم مادة ثاني أوكسيد الكربون في دمه؛ بالتالي إلى زيادة عدد أنفاسه، ونبضات قلبه، وربما يفقد وعيه، وتكون نهايته.
{كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}:
{الرِّجْسَ}: أصل الرجس: هو كل ما يستقذر؛ حساً، أو شرعاً، أو عقلاً؛ مثل: الخمر، والميتة، والخنزير، أو النتن، والخبيث من الأقوال، والاعتقادات، وأما الرجز: فهو العذاب الشديد، ففعل هذه المحرمات والمنكرات يؤدي إلى الرجز؛ أي: العذاب، فالرجس: أعم وأشمل من الرجز؛ أي: الرجس يعني كل ما مستقذر، ويعني: العذاب. ارجع إلى سورة البقرة آية (٥٩) لمزيد من البيان، فالرجس قد يعني العذاب. ارجع إلى سورة المدثر آية (٤) لمزيد من البيان.
{كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ}:
أي: كما يجعل صدر الذي أراد الضلال، وعدم الإيمان ضيِّقاً حَرَجاً، كذلك يجعل الله العذاب على الذين لا يؤمنون (أي: الكافرين).