سورة التوبة [٩: ٩٠]
{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}:
{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ}: لفهم هذه الآية لا بد من معرفة: أنّ المنافقين قسمان: قسم كان يعيش في المدينة، وسبق الحديث عنهم، وقسم كان يعيش خارج المدينة، كانوا يسمون الأعراب؛ لقوله سبحانه: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}؛ فهذه الآية تتحدث عن هؤلاء الأعراب المنافقين الّذين كانوا يسكنون خارج المدينة في البوادي، والصّحراء.
{وَجَاءَ}: الواو: استئنافية. جاء: فعل ماض، وجاء تدل على صعوبة في المجيء بعكس أتى التي تدل على سهولة المجيء.
{الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ}: بفتح العين، وتشديد الذَّال: جمع مُعَذِّر: وهو الّذي يعتذر، وليس له عذر حقيقي؛ فهو يفتعل، أو يختلق العذر؛ أيْ: هو كاذب، عذره غير صحيح.
بينما المُعْذرون: بسكون العين جمع مُعْذر: هو الّذي يعتذر بعذر حقيقي صحيح، والمُعْذرون لهم عذر واحد فقط.
أما المُعْتذرون: بسكون العين جمع معتذر: هو الّذي يعتذر بعدة أعذار حقيقية صحيحة؛ أيْ: عنده أكثر من عذر.
وجاء المُعذِّرون من الأعراب: الأعراب: اسم جنس، وهم البدو الّذين يسكنون الصحراء، أو خارج المدن، والقرى، والواحد أعرابي، وهم يشتهرون بشدة وغِلظَة الطّباع الّتي تماشي طبيعة الصّحراء القاسية.
أما العرب: فهم الّذين يعيشون في المدن، والقرى، وعندهم حضارة، وأسهل معاشرة من الأعراب.
المُعَذَّرون: بفتح العين، وتشديد الذَّال وفتحها: إذن جاء الأعراب الّذين ينتحلون الأعذار الكاذبة.
{لِيُؤْذَنَ لَهُمْ}: اللام: لام التّعليل، والتّوكيد. ليؤذن لهم: بالقعود، وعدم الخروج للجهاد، جاؤوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ليؤذن لهم، وقعد الّذين كذبوا الله ورسوله؛ هؤلاء صنف آخر من الأعراب المنافقين الّذين لم يكترثوا، أو يهمهم لا الخروج في سبيل الله، ولا الجهاد، ولم يفكِّروا حتّى بأيِّ عذر ليس عندهم نية بالاعتذار؛ حتّى ولو كان كذباً؛ مما يدل على تكبرهم؛ فهم الأسوأ على الإطلاق؛ فهم كذبوا في إيمانهم.
{سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}: السّين: للاستقبال القريب؛ سيصيب الّذين كفروا منهم: من الأعراب منهم خاصَّة لا غيرهم: عذاب أليم قريب في الدّنيا بالقتل، والسّبي، والتّشريد، والفضيحة، وفي الآخرة: عذاب النّار.