المناسبة: بعد ذكر (لكلّ أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه) أي: منهجاً واضحاً كيف يعبدون الله وحده ويتقرّبون إليه، ألا تعبدوا إلا الله وحده، استمرّ بعضهم يعبدون غير الله، وجاء بصيغة المضارع يعبدون؛ لتجدّد عبادتهم واستمرارهم على الشّرك بدلاً من القول: وعبدوا من دون الله.
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ}: غير الله؛ أي: الأصنام والأوثان وغير ذلك.
{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}: ما: اسم موصول؛ أي: الّذي، و (ما) أوسع شمولاً من (الذي). ويعبدون الّذي لم ينزل به أيُّ دليل أو برهان في الكتاب أو الوحي، أو يجبرهم على ذلك بسلطان القوة والقسر.
{وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ}: أي: وما ليس لهم به من علم، أو اجتهاد مستنبط من نص قاطع أو ظني أو علم استدلال، وتكرار (ما) لتأكيد النّفي وفصل العلم عن السلطان أو كلاهما.
{وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}: ولم يقل: وما للظالمين من أنصار؛ ما للنفي، للظالمين: لام الاختصاص، والاستحقاق، للظالمين: للمشركين، جمع ظالم: والظالم هو كلّ من يخرج عن منهج الله هو ظالم لنفسه. من ابتدائية استغراقية، نصير: أي: ناصر أو معين: من يشفع لهم أو يدفع عنهم العذاب أو يكون عليهم وكيلاً. من نصير: من: استغراقية، نصير: صيغة مبالغة أقوى من ناصر، وتعني: الظالمين بالشرك وأنواعه. وما للظالمين من أنصار: تعني: الظالمين بأمور غير الشرك. ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٧٠) للبيان.
انظر إلى قوله في سورة الحج الآية (٧١): {وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ}، وقوله في سورة الزّخرف الآية (٢٠): {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}.
الآية في سورة الحج: جاءت في سياق عبادة الأصنام الأوثان، والذين عبدوها عندهم شيء من العلم ولكنه علم قليل.
الآية في سورة الزّخرف: جاءت في عبادة الملائكة؛ أي: في سياق هؤلاء من عبدوا الملائكة وقالوا: إنّها إناث {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم}[الزخرف: ٢٠]. هؤلاء ليس عندهم أدنى أو أقل علم، فهم أغبياء جداً يحتاجون إلى مقدار كبير من العلم، فقوله تعالى:{مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} آكد وأقوى من قوله تعالى: {وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ}، ولذلك قال:(إن هم إلا يخرصون)؛ لأنّ هؤلاء أوّلاً أشركوا بالله، وثانياً افتروا على الله الكذب بالقول: لو شاء الله ما عبدناهم، وثالثاً: زعموا أنّهم يعلمون الغيب بالقول: إنّ الملائكة إناث.