بعد ذكر عذاب الكفار في الدّنيا (لهم عذاب في الحياة الدّنيا ولعذاب الآخرة أشق)، يذكر سبحانه ثواب المتقين، وما أعده لعباده المؤمنين فيقول:
{مَثَلُ الْجَنَّةِ}: لماذا قال سبحانه: مثل الجنة؟ والتّمثيل من معانيه: هو أن تلحق مجهولاً بمعلوم؛ لتأخذ منه الحكم، أو الصّورة؛ لأنّه لا توجد ألفاظ عندنا في الدّنيا تؤدي معنى ما في الجنة؛ لأنّ فيها أشياء لم ترها عين، ولم تسمعها أذن، ولم تخطر على قلب بشر؛ إذن: لا يبقى لنا إلا المثل، وهو أن نأتي بأشياء نعلمها، ونقارنها بأشياء لا نعلمها؛ حتّى نحصل على صورة محتملة.
{وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}: وعد من الوعد، والوعد عادة إذا أطلق ولم يُقيد يدل على الخير، والوعيد: يدل على الشّر.
{تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}: أي: تنبع أنهار الجنة من تحت تلك الجنات، وأنهار الجنة من الماء الغدق، واللبن، والخمر، والعسل.
{أُكُلُهَا دَائِمٌ}: أي: لا ينقطع، ولا ينقص، وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين؛ دائم على مدار الزّمان، والأكل فيها ليس بسبب الجوع؛ لأنّه ليس فيها جوع، ولا ظمأ، وإنما للشهوة، والمتعة، واللّذة.
{وَظِلُّهَا}: وظلها دائم، لا تنسخه شمس، أو غيرها.
{تِلْكَ}: اسم إشارة، واللام: للبعد، ويفيد التّعظيم، ويشير إلى الجنة.
{عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا}: عقبى: أي: العاقبة، عاقبة أمرهم الجنة، على وزن فُعلى: عقبى: اسم بمعنى: الجزاء، أو آخر كلّ أمر. ارجع إلى الآية (٢٢) من نفس السّورة.
{وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ}: ولم يقل: وعقبى الّذين كفروا؛ لأنّ الّذين كفروا قد يرجعوا عن كفرهم، ويعودوا للإيمان؛ أمّا الكافرين فهم الّذين أصبحت صفة الكفر عندهم ثابتة، وماتوا، وهم كفار، وذكر عقبى الّذين اتقوا، وإتباعه بذكر عقبى الكافرين فيه بشرى للمتقين، وإنذار للكافرين.