للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الأحزاب [٣٣: ٧]

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِيثَاقًا غَلِيظًا}:

{وَإِذْ أَخَذْنَا}: أيْ: واذكر إذ أخذنا، أو إذ ظرفية واذكر حين أخذنا، أخذنا: بصيغة الجمع: للتعظيم.

{مِنَ النَّبِيِّنَ مِيثَاقَهُمْ}: من ابتدائية واستغراقية، ميثاقهم: الميثاق عهد موثق أو مؤكد باليمين وأوثق الشّيء أحكم شده، ويتم بين اثنين، وهنا تم بين الله سبحانه من طرف وبين النّبيين من طرف ثانٍ، ولم يقل: الميثاق، وإنما نسب الميثاق لهم فقال: ميثاقهم؛ لأنّه مهم بالنّسبة لهم؛ لأنّ عليهم الالتزام به وتنفيذه وأن يكونوا للنّاس قدوة.

ما هو الميثاق الّذي أخذه الله من النّبيين: هو أن يعبدوا الله تعالى وحده ويدعوا إلى توحيده (لا إله إلا الله) وإلى عبادته وإقامة دينه ويبلغوا رسالته، وقيل: هو أن يصدق بعضهم بعضاً وينصر بعضهم بعضاً، كما ورد في الآية (٨١) من سورة آل عمران: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِى قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}، ولم يكن هناك رسول واحد عُرضت عليه الرّسالة أو الميثاق فرفضها.

والسّؤال متى أخذ الله هذا الميثاق من النّبيين؟

١ - قيل: حين خرجوا من ظهر آدم كالذّر، كما ورد في سورة الأعراف الآية (١٧٢): {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}.

٢ - وقيل حين اصطفى الله سبحانه رسلَه وأنبياءَه من البشر ليكونوا رسلاً وأنبياءَ ويبلغوا رسالته وشرعه، فكانت المسألة مسألة إيجاب وقبول.

{وَمِنْ نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}: الواو واو الجمع المطلق: أيْ: أخذنا من هؤلاء ومن غيرهم من الرّسل، وهنا عطف الخاص على العام من النّبيين (العام) ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم (الخاص)، أيْ: عطف الخاص على العام للتوكيد على أهمية هؤلاء الرّسل الخمسة الّذين اختارهم من بين الرّسل وسماهم أولو العزم من الرّسل.

وقدَّم نبينا محمّد -صلى الله عليه وسلم- تشريفاً وإكراماً له على بقية الرّسل ولفضله عليهم وأنّه للناس كافة، ثمّ ذكر نوحاً -عليه السلام- ولم يذكر آدمَ -عليه السلام- الأب الأوّل، وذكر هؤلاء الرّسل؛ لأنّهم أصحاب الكتب والشّرائع ولفضلهم على بقية الرّسل والأنبياء فنوح هو أبو البشر وإبراهيم أبو الأنبياء ومحمّد -صلى الله عليه وسلم- للناس كافة بشيراً ونذيراً {رُّسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥].

{وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِيثَاقًا غَلِيظًا}: وأخذنا التّكرار للتوكيد، ميثاقاً غليظاً: وهو الميثاق نفسه الّذي ذكر سابقاً وغليظاً يدل على اليمين أو القسم المؤكد على الوفاء بما حُملِوا.