للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ١٣٦]

{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}:

الخطاب للمؤمنين:

{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}: قولوا آمنا بالله: الباء: للإلصاق؛ بالله: تعني: إيمان العقيدة بالله؛ وحده وبما أُنزل إلينا؛ أي: القرآن الكريم، ولمعرفة الفرق بين أنزل، ونزل، وإلينا، وعلينا: أنزل: تعني: جملة واحدة، أو دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السّماء الدّنيا.

نزل: تعني منجماً على دفعات، وبالتّدرج على مدى (٢٣) سنة من السّماء الدّنيا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتستعمل للأمور المهمة، والمؤكدة، والمبالغ فيها، أو الموقف أشد.

{أُنْزِلَ إِلَيْنَا}: إلينا: تستعمل في القرآن في سياق الدّعوة والتّبليغ، إلى: تفيد الانتهاء؛ أي: لينتهي إلى النّاس، أو منتهى الغاية.

أنزل عليك: تستعمل في سياق التّشريف بالأمور الخاصة برسول الله، على: تفيد العلو والاستعلاء، وتفيد المشقة والشّدة؛ أي: على: تستعمل في سياق ما هو أشق في الموقف، وعلى: أقوى وأكد من إلى، وعلى: تفيد البدائية بينما إلى تفيد النّهاية.

{وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ}: وإسماعيل، وإسحاق أولاد إبراهيم -عليه السلام- ، ويعقوب ابن إسحاق عليهما السلام، وأما الأسباط: قيل: هم أبناء يعقوب، وقيل: هم من أحفاد يعقوب، أو ذريته، أو من صلبه، وكانوا أنبياء، وهذا هو المرجح؛ لأن أبناء يعقوب إلا يوسف لم يكونوا أنبياء، وأما معنى السبط: القبيلة، أو من شجرة واحدة، أو الجماعة الذين يرجعون إلى أب واحد، أو أحفاد الرجل، أو ابن البنت.

{وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى}: موسى (التّوراة)، وعيسى (الإنجيل).

{وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَّبِّهِمْ}: والإيتاء هو العطاء، ولكن الإيتاء ليس فيه تملك بعكس العطاء فيه معنى التّملك، الإيتاء يمكن أن تسترده أمّا العطاء فلا تستطيع أن تسترده والإيتاء أعم من العطاء، والإيتاء يشمل الأمور المعنوية الحسية، بينما العطاء يكون فقط في الأمور الحسية أو المادية.

وتكرار لفظي أنزل: {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِمَ}، والإيتاء: {وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ} دفعاً لمن ظن، أو توهم أنّ كل الذي أنزل على محمّد -صلى الله عليه وسلم- هو نفسه الّذي أنزل على إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وكذلك ما أوتي موسى، وعيسى هو نفسه ما أوتي النّبيون من ربهم، فالأحكام، والشّرائع مختلفة.

{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ}: أي: نحن نؤمن بكلّ رسل ونبي، ونصدق أنّ عقيدتهم واحدة، وهي: لا إله إلَّا الله، وإن اختلفت الأحكام، والشّرائع، باختلاف العصور، فنحن لا نؤمن ببعض، ونكفر ببعض.

{وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}: نحن لله مطيعون، مخلصون، موحدون.

لنقارن هذه الآية (١٣٦) من سورة البقرة: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.

مع الآية (٨٤) من سورة آل عمران: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.

في آية البقرة: {قُولُوا}: الخطاب موجه إلى المسلمين.

في آية آل عمران: {قُلْ}: الخطاب موجه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

{وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}: {إِلَيْنَا}: لأنّ الإنزال على رسول الله أوّلاً بأوّل، ثمّ انتهى، إلينا أي: إلى المؤمنين، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النّبيون من ربهم.

{وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}: علينا: تعني الرسول والمؤمنون، وما أنزل على إبراهيم، وإسماعيل، وما أوتي موسى وعيسى والنّبيون من ربهم.

تكرار وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النّبيون من ربهم: ما أوتي موسى وعيسى هو غير ما أوتي النّبيون من الأحكام والشّرائع، وعدم تكرار ما أوتي في آية آل عمران؛ لأنّ ما أوتي موسى وعيسى والنّبيون هو نفسه (مثلاً عقيدة لا إله إلَّا الله والتّوحيد والرّبوبية).

فالإيتاء يقسم إلى قسمين قسم مختلف ذكر في آية البقرة، وقسم نفسه ذكر في آية آل عمران، فنحن نؤمن بكلّ منهما، وفي آية آل عمران بما أنّ الخطاب موجه إلى رسول الله فالرّسول لا يحتاج إلى تكرار، وما أوتي مرتين للتوكيد.