للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ٢٧]

{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}:

{الَّذِينَ}: اسم موصول تفيد الذم؛ ذم هؤلاء الذين ينقضون العهد؛ العهد: هو عبارة عن تكليف، أو وصية، أو أمر، والعهد التزام يلتزم به الإنسان مع الله، أو مع إنسان آخر، أو مع نفسه، والعهد يضم العقود، والوعود، والمعاهدات، والميثاق هو عهد، ويضم الميثاق العادي فالميثاق الغليظ هو عهد مؤكد بيمين، ونقضه؛ أي: فسخه وإبطاله، أو الإعراض عن القيام به، أو حل العهد مشتق من نقض الحبل في اللغة؛ يعني: حل ما كنت أبرمته، ونقض العهد يعتبر نوع من الفساد في الأرض، ويعتبر النقض من بعد توكيده (أي: الميثاق) أعظم وأبلغ من القطع.

{مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}: من بعد: تفيد الزمان؛ ميثاقه: تفيد التوكيد.

ولا ننسى العهد الفطري، الذي أخذه الله على عباده، وهو أن يؤمنوا به، ويشهدوا أنه ربهم، ولا يشركوا به، ولا يتخذوا من دونه آلهة، أو أولياء، كما ورد في سورة الأعراف الآية (١٧٢).

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}.

وكذلك عهد الله؛ هو ما أوجبه الله على النّاس، في القرآن، على لسان الرسل، وبما يُلزم المؤمن نفسه، بما ليس في الشرع، كالنذر، فهم نقضوا عهدهم مع الله، ومع الآخرين، ومع أنفسهم، ولم يلتزموا بعقودهم ومعاهداتهم. وجاء بصيغة المضارع ينقضون بدلاً من نقضوا بصيغة الماضي؛ للدلالة على تجدد، وتكرار نقضهم.

ثانياً: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}:

و {مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}: هو صلة الرحم، صلة الجار، وموالاة المؤمنين.

ثالثاً: {وَيُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ}: بالسرقة، وقطع الطريق، والقتل، والحرابة، إهلاك الحرث والنّسل.

الفساد؛ تعريفه: هو الخروج عن الاعتدال، الاستقامة، ويضاده الصلاح، وأفسد الشيء غيره إلى أسوأ.

وأوجه الفساد في الأرض؛ عديدة؛ نذكر منها: الكفر، والشرك، والنفاق، والفتن، وإثارة الشبهات، والبدع، والمعاصي. ارجع إلى الآية (٢٥١) في نفس السورة لمزيد من البيان في معنى الفساد.

{أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}:

اسم إشارة للبعد تشير إلى الّذين ينقضون، ويقطعون، ويفسدون.

خسروا أنفسهم؛ لأنهم باعوا حياة الآخرة، بدنياهم.

{هُمُ}: توكيد؛ أي: إذا كان هناك خاسرون، فهم الخاسرون حقاً، لا غيرهم، وجملة (خاسرون): جملة اسمية، تدل على الثبوت، ثبوت الخسران، فهو خسران أبدي، وليس خسراناً مؤقتاً.

وإذا قارنا {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، مع آية (٢٢) في سورة هود، يقول الله -جل وعلا- : {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ}، فالأخسرون؛ أشد خسراناً من الخاسرون. ارجع إلى سورة النّساء آية (١١٩) لمزيد من البيان.

وجاءت هذه؛ في سياق الّذين صدوا عن سبيل الله، وصدوا غيرهم، ضلوا، وأضلوا غيرهم.