سورة يونس [١٠: ٦٧]
{هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}:
المناسبة: بعد قوله تعالى: {لِلَّهِ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِى الْأَرْضِ}: يأتي بدليل آخر على عظمة الله وقدرته، وأنّه هو الّذي يستحق العبادة، وهذا الدّليل هو ما ذكر في الآية الآتية.
{هُوَ}: ضمير فصل؛ يفيد الحصر؛ أي: الله وحده هو الّذي جعل.
{جَعَلَ}: أيْ: هو الّذي خلق الزّمن، ثمّ جاء لهذا الزّمن؛ ليجعل منه ليلاً، ونهاراً، والجعل يكون بعد الخلق، والجعل هو توجيه الشّيء المخلوق بعد خلقه لمهمة معينة، وهو الّذي صيَّر لكم اللّيل.
{لَكُمُ}: خاصَّة، اللام: لام الاختصاص.
{لِتَسْكُنُوا فِيهِ}: اللام: لام التّوكيد، السّكون الرّاحة، والحد من الحركة، وهذه رحمة، ونعمة من الله على الإنسان؛ لكي يرتاح، ويعود النشاط إلى قواه؛ لكي يزاول عمله في اليوم التالي، وتتداخل هنا الظلمة مع التعب إلى حثِّ الغدد على إفراز بعض العوامل، أو الهرمونات الّتي تؤدِّي إلى النوم.
{وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}: مبصراً: اسم فاعل من أبصر؛ أسند الإبصار إلى النّهار، وهذا هو أمر حقيقي اكتشفه العلم حديثاً، وتفسير ذلك: كلّ الكواكب بما فيها الأرض يسبح في الظّلام، ولكن وجدت حول الأرض طبقة من الغازات (طبقة غازية) مشكلة من غازات الهيدروجين، والنّتروجين، والهليوم، وبخار الماء… وغيرها من الغازات.
وهذه الطّبقة الغازية يسمِّيها العلماء طبقة النهار، وهي الطّبقة السفلى من الغلاف الغازي للأرض الّتي أعطاها ربنا من الصّفات الطبيعية، والكيماوية ما يمكننا أن نرى نور الشّمس الأبيض، ويقدر سمكها بـ (٢٠٠كم)، وأغلب أشعة الشّمس لا ترى مثل أشعة غاما، والأشعة السينية، وفوق البنفسجية، وتحت الحمراء… وغيرها، وما يصل إلى الأرض هو جزء من الطاقة المسمَّى الضوء المرئي، وهي عبارة عن ألوان الطيف: الأحمر، والبنفسجي، والأخضر، والأزرق، والأصفر، والنيلي، والبرتقالي، وكلّ طيف من هذه الطيوف لا يرى لوحده إلا بصورة ضعيفة، ولكنه لما يدخل هذه الطّبقة تبدأ ألوان الطيف تتحد، وتعطينا النور الأبيض الجميل الّذي نراه في وضح النهار.
وبما أنّ الأرض كروية فأشعة الشّمس سوف تشرق على الطّبقة الغازية المحيطة بالأرض، والمقابلة للشّمس؛ أمّا القسم من الطّبقة الغازية غير المقابل للشّمس فلا تضيء، ولا تنير؛ فتكون مظلمة، وما تحتها من الأرض مظلم (أيْ: ليل).
وأمّا الطّبقة المقابلة للشمس فتضيء، وتنير، وبالتّالي النّصف من الأرض الّذي تحتها في نهار، وبما أن الأرض تدور حول نفسها؛ لذلك سرعان ما يتبدل النّهار بالليل، ثمّ اللّيل بالنّهار… وهكذا؛ مما يدل على كروية الأرض.
وبعد أن تضيء وتنير تلك الطّبقة الغازية تنعكس أشعتها على الأرض، ثمّ إلى عيون النّاس؛ فيرى النّاس ما حولهم من المبصرات، والكائنات، ولولا هذه الطّبقة الغازية؛ لما رأينا أيَّ شيء؛ فهذه الطّبقة الغازية هي الّتي تبصر، ولذلك سمَّى النّهار مبصراً، وأما عيوننا فلا تبصر شيئاً، والدليل على ذلك حين نكون في ظلمة، فلا نرى شيئاً رغم وجود العيون.
{إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}: إنّ: للتوكيد.
{فِى}: ظرفية.
{ذَلِكَ}: اسم إشارة، واللام: للبعد، والكاف: للمخاطب؛ أيْ: يشير إلى الآيات الكونية؛ مثل: هذه الآية، آية النّهار، وآية اللّيل.
{لِّقَوْمٍ}: اللام: لام التّعليل، والتّوكيد، والاختصاص.
{يَسْمَعُونَ}: سماع تدبر، واعتبار، واختار يسمعون، ولم يقل: يبصرون؛ لأن الآية تتحدث عن الليل؛ لتسكنوا فيه، فالعين في الليل لا ترى؛ أيْ: معطلة، والسّمع يبقى دائماً لا يتعطل، ولذلك قال: لقوم يسمعون.