سورة الكهف [١٨: ٧٧]
{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}:
{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا}: ارجع إلى الآية (٧١).
{إِذَا}: ظرفية زمانية.
{أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ}: قدما إلى قرية لم يُبين اسم هذه القرية، والقرية تعني: إحدى ضواحي المدينة، وهي عبارة عن تجمع سكاني، وإذا اتسعت القرية تسمى مدينة. ارجع إلى الآية (٨٢) من نفس السورة لمزيد من البيان.
{اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا}: الألف، والسّين تعني الطّلب؛ أي: طلبا الطّعام من أهل القرية، ويبدو أنّهما كانا جائعين، وعليك أن تتصور هذا المشهد العظيم أقرب عبدين إلى الله تعالى في ذلك الزّمان فقيرين جائعين موسى، والعبد الصّالح يقفان على كلّ باب يسألان الطّعام دون أن يجدا أحداً يقدم لهما رغيف خبز، أو شربة ماء.
{فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا}: رفض أهل القرية اللئام:
{أَنْ}: للتوكيد.
{يُضَيِّفُوهُمَا}: مشتقة من كلمة أضاف؛ أي: أنزله ضيفاً؛ أي: لم يمتنعوا فقط عن تقديم الطّعام لهما؛ كذلك رفضوا إيوائهما، ومعاملتهما معاملة حسنة، ولك أن تتصور أليس الله سبحانه بقادر على أن يجعل أهل القرية يضيفوهما، أو هو سبحانه قادر على أن ينزل عليهم مائدة من السّماء، ولكن لم يفعل حتّى يُشعرنا بشدة الابتلاء الّذي جرى لهما، وهما من أقرب النّاس إليه سبحانه.
{فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}: أي: قارب على الانهيار، رأى العبد الصّالح فيه علامات التّصدع، والميلان، وقوله تعالى: يريد أن ينقض؛ كأن للجدار عقلاً، أو شبه الجدار بالإنسان، ولا غرابة في هذا التّشبيه؛ لأنّ الله سبحانه أخبرنا بأنّ كلّ شيء يسبح بحمده، ويعبد الله تعالى، ولكننا لا نفقه صلاتهم، ولا تسبيحهم.
{فَأَقَامَهُ}: أي: أصلحه، وأعاد بناءه، وكأنّ العبد الصّالح بناءً، أو مهندساً في البناء، وكما سنعلم في الآيات القادمة أقامه بحيث ينقض مرة أخرى بعد عدة سنوات حين يبلغ اليتيمان سن الرّشد؛ فيعثران على الكنز الّذي تحت الجدار، ولم يقيم الجدار لسنوات طويلة؛ فلا ينقض، وعندها لا يستطيعان استخراج كنزهما، وهذا عمل خارق للعادة؛ حيث بناه بحيث ينقض بعد أن يبلغا سن الرشد.
{قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}: قال موسى للعبد الصّالح:
{لَوْ}: شرطية.
{شِئْتَ}: أردت، أو طلبت أجراً على إقامته؛ لأنّ أهل القرية لا يستحقون هذا المعروف؛ لكونهم رفضوا إطعامهم، وإيوائهم. قال لاتخذت عليه أجراً، ولم يقل لأخذت عليه أجراً؛ أي: لو حاولت وكلفت نفسك، وأجهدت نفسك بطلب الأجر لحصلت عليه، وموسى -عليه السلام- لا يعلم الحكمة من إقامة الجدار عندئذٍ.