سورة النساء [٤: ١٩]
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْـئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}:
نداء إلى الذين آمنوا بأمر جدير هو: لا يحل لكم أن ترثوا النساء؛ أيْ: تتوارثوهنَّ كما يتوارث المال، تأخذوهنَّ كالإرث، والخطاب موجَّه خاصَّة لأقارب الميت، وكان هذا من أفعال الجاهلية، فكان عندما يموت الميت؛ وله زوجة، كان أقرباؤه يرثونها عنه، فإن شاؤوا تزوجوها بلا صداق، وإن شاؤوا زوَّجوها لغيرهم، وأخذوا صداقهنَّ. وكانوا يفعلون ذلك قهراً وجبراً من دون حرمة.
{أَنْ}: مصدرية تفيد التوكيد.
{تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}: بفتح الكاف؛ تعني: الإجبار والقسر، والكَره، وردت: {كَرْهًا}: في خمس آيات:
كَرْهاً:
١ - {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [فصلت: ١١].
٢ - {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: ٨٣].
٣ - {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ} [الرعد: ١٥].
٤ - {أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ} [التوبة: ٥٣].
٥ - {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: ١٩].
أما {كُرْهًا}: بضم الكاف فوردت في ثلاث آيات، وتشير إلى الكره المستحب؛ أي: الناتج عن تعب، أو مشقة مرغوب فيها، أو محب لها رغم كونها مؤلمة.
ـ مثل: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا} [الأحقاف: ١٥]؛ أي: الحمل والولادة.
ـ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} [البقرة: ٢١٦]؛ أي: الجهاد في سبيل الله. ارجع إلى سورة البقرة آية (٢١٦)، وسورة الأحقاف آية (١٥) لمزيد من البيان، والفرق بين كَرهاً وكُرهاً.
{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ}:
{وَلَا}: الواو: عاطفة، لا: الناهية.
{تَعْضُلُوهُنَّ}: من العضل: هو المنع، أو الحبس، أو التضييق، والعضل مأخوذ من عضلت المرأة بولدها؛ أيْ: تعسرت في الولادة، وانقبضت عضلاتها، ولم تبسط حتى يخرج الوليد.
{تَعْضُلُوهُنَّ}: الخطاب موجَّه للأزواج، كان الزوج إذا كره صحبة امرأته، ولها عليه مهر يحبسها، ويضربها؛ لتفتدي به، أو كانوا في الجاهلية بعد الطلاق يعضلون المطلقات بقصد الإضرار بهنَّ حتى تفتدي بمهرها، أو مالها، أو الخطاب موجَّه إلى الأولياء، كانوا يمنعون النساء من الزواج؛ ليرثوهنَّ، أو كانوا يمنعون النساء من الزواج إلا بإذنهم حتى يأخذوا صدقاتهنَّ.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ}: يفعلن فاحشة (كالزِّنى).
{مُّبَيِّنَةٍ}: واضحة من دون شك، ولا شهود، أو لا تنكرها هي، أو إذا أظهرن نشوزاً وسوء معاملة للعيان؛ عندها يجوز خلعها، ويقبل منها أن تفتدي.
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}: الباء: للإلصاق، والاستمرار.
عاشروهنَّ: بما يقره الشرع والعرف، وتألفه الطباع السليمة.
عاشروهنَّ بالمعروف: في القول، والنفقة، والمعاملة السمحة، والصبر.
{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ}: فإن: الفاء: استئنافية. إن: شرطية، وتفيد الاحتمال، والندرة في الوقوع، ولم يستعمل (إذا)؛ لأن (إذا): تدل على حتمية الحدوث به.
{كَرِهْتُمُوهُنَّ}: لأسباب حقيقية، أو عيب خُلقي، أو تقصير في المعاشرة، أو نشوز.
{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْـئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}:
{فَعَسَى}: الفاء: للتعقيب والمباشرة، عسى: من أفعال الرجال أن تستقيم الأمور.
{أَنْ}: شرطية، {تَكْرَهُوا شَيْـئًا}: نكرة؛ أيُّ شيءٍ، {شَيْـئًا}: مهما كان نوعه.
{وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}: أي: اصبروا، ولا تتعجَّلوا بالطلاق، أو الخلع؛ عسى اللهُ أن يصلح أحوالهنَّ، وتستقيم الأمور، ولا تتمزق الأسرة، ويصاب الأولاد بأمراض نفسية؛ نتيجة الطلاق، والكراهية بين الزوج والزوجة.