للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة غافر [٤٠: ٧]

{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}:

المناسبة: مقابل الحكم ووجوب كلمة العذاب على الّذين كفروا برسلهم من الأمم الماضية، أوجب الله تعالى لعباده الّذين آمنوا أشرف الملائكة المقربين؛ ليستغفروا لهم ويدعوا لهم بالوقاية من السّيئات، وأن يرزقوا الجنة ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.

{الَّذِينَ}: اسم موصول يفيد المدح والعلوّ.

{يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ}: العرش هو أعظم المخلوقات على الإطلاق، أعظم من خلق السّموات والأرض ومن خلق الإنسان، العرش الّذي تحته جنة الفردوس، العرش الّذي لا يحيط بعلمه إلا من خلقه سبحانه، وحملة العرش قيل: هم أربعة ويوم القيامة يصبحوا ثمانية؛ لقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}. ارجع إلى سورة هود آية (٧)، وسورة طه آية (٥) لبيان معنى العرش، وارجع إلى سورة الحاقة آية (١٧) لمزيد من البيان في يحمل عرش ربك.

{وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}: ومن حوله من الملائكة المقربين الحافّين من حول العرش بدون أيّ مسافة أو فراغ بينهم وبين العرش، وهم سادة الملائكة وأشرافهم يسمون العالين كقوله تعالى: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص: ٧٥].

{يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}: يسبّحون ينزّهون الله سبحانه.

ارجع إلى الآية (٧٥) من سورة الزّمر للبيان، يسبّحون تسبيحاً مقروناً بالحمد على نعم الله الباطنة والظّاهرة، وسورة الإسراء آية (١).

{وَيُؤْمِنُونَ بِهِ}: ألم يقل سبحانه: يسبّحون بحمد ربهم، ألا يدل ذلك على الإيمان به؟ فلماذا عاد وذكر: يؤمنون به؟ هذه الكلمة (يؤمنون به) لها معنى خاص بديع؛ أي: رغم كونهم حملة العرش أو من حول العرش يسبّحون بحمد ربهم وأنّهم العالين أشراف الملائكة، فهم لا يرون ربهم رغم قربهم منه فهم يؤمنون به بالغيب ولا يرونه.

{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}: اللام في الّذين لام الاختصاص، يستغفرون خاصة للذين آمنوا، فهؤلاء الّذين يحملون العرش ومن حوله يستغفرون للذين آمنوا ويدعون لهم بالنّجاة ودخول الجنة، ولم يقل: (يستغفرون لمن في الأرض).

كما ورد في الآية (٥) من سورة الشّورى وهي قوله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِى الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

فالملائكة المقربون (الخاصة) يستغفرون للذين آمنوا فقط، وعامة أو باقي الملائكة يستغفرون لعامة النّاس.

{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا} حذفت ياء النّداء للبعد؛ لأنّ الله سبحانه سميع قريب, وشيء: نكره يشمل كل شيء، والشيء كل ما يعلم, ويخبر عنه سواء كان حسياً أو معنوياً ويعني أقل القليل.

وذكر الملائكة ثلاث صفات لله تعالى هي: الرّبوبية والرّحمة والعلم، فالرّبوبية تعني أنت الخالق والمدبّر والمسيطر والرّزاق، ورحمتك وسعت وطالت وشملت كلّ شيء؛ لأن رحمته عامة تشمل المؤمن والكافر، والرّحمة من معانيها الوقاية من العذاب، وكذلك وسع علمك أو أحاط علمك بكل شيء فلا يخفى عليك شيء في الأرض ولا في السّماء.

{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا}: فاغفر: الفاء للتوكيد، اغفر: الغفر هو السّتر، اغفر: استر. والغفران: أخص من الستر، ويقتضي الثواب؛ لأن الستر وحده يعني: عدم فضحه، ويجوز أن يستر على الكافر والفاسق في الدنيا، فاغفر من الغفران، والغفران يعني: إسقاط العقاب، وإيجاب الثواب، فلا يستحق الغفران إلا المؤمن.

للذين: اللام لام الاختصاص، الّذين اسم موصول يفيد المدح، تابوا: من الشّرك والمعاصي والذّنوب وندموا على ما فعلوا ولم يعودوا إلى ذنوبهم.

{وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}: دين الإسلام؛ أي أخلصوا دينهم لك وعبدوك وحدك.

{وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}: نجِّهم من عذاب الجحيم: الجحيم من جحم النّار: أو قدرها فاشتد لهيبها، والجحيم: النّار المتأججة أو شديدة التأجج، وقيل: هي دركة من دركاتها السّبع.