سورة البقرة [٢: ٣]
{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}:
الصفة الأولى؛ الإيمان بالغيب.
{الَّذِينَ}: اسم موصول.
{يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}: يصدقون {بِالْغَيْبِ}، والباء للإلصاق، والمصاحبة، والتصديق يكون بالقلب، واللسان، والجوارح.
{يُؤْمِنُونَ}: جاء بصيغة المضارع؛ ليدل على التجدد، والتكرار، والاستمرار في إيمانهم.
وقمة الإيمان بالغيب؛ الإيمان بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وقدره؛ خيره، وشره.
{بِالْغَيْبِ}: الغيب؛ تعريفه: ما غاب عن العباد، واستتر؛ أي: ما غاب عن العيون، مثل الجنة، والنار، والملائكة، واليوم الآخر، وحياة البرزخ وعذاب القبر والبعث والحشر والحساب والموازين والصراط، وكل ما أخبر الله تعالى به رسله من علم الغيب.
وجمعه غيوب. والغيب نوعان: المطلق، وهو ما غاب عن كل العباد، والذي ينفرد به الله سبحانه، والغيب النسبي: هو الذي أطلع الله تعالى رسله عليه، والاكتشافات العلمية، لا يطلق عليها غيب.
{وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}: هذه؛ هي الصفة الثانية.
{وَيُقِيمُونَ}: الواو؛ عاطفة، {الصَّلَاةَ}؛ أي: الصلوات الخمس، {وَيُقِيمُونَ} من أقام العود، إذا قومه، إذا أزال عوجه؛ أي: إتمام فعلها على الوجه المأمور به في القرآن والسنة.
والمحافظة على مواقيتها، ووضوئها، وأركانها، وسننها، وآدابها، وخشوعها، والدوام عليها، كما قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: ٢٣].
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: ٩].
والصلاة؛ اسم جنس لفعل (صلَّى) الرباعي، والألف في الصلاة، منقلبة عن واو (صلوة)، وجمع صلاة صلوات.
وجيء بصيغة الفعل المضارع {وَيُقِيمُونَ}؛ للدلالة على التجدد، والاستمرار؛ خمس مرات في اليوم.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}: هذه هي الصفة الثالثة {يُنْفِقُونَ}، من أنفق على وزن أفعل، والنفقة هي إخراج المال من المُلك.
{وَمِمَّا}: من ابتدائيه ومن البعضية، وما اسم موصول، بمعنى الذي، (وما) أوسع شمولاً من الذي {يُنْفِقُونَ}، من بعض أموالهم، ولم يبين في هذه الآية المقدار، أو أوجه الإنفاق.
{يُنْفِقُونَ}: تشمل: الصدقات، والزكاة، وسائر النفقات، الواجبة شرعاً، وجاء بصيغة المضارع؛ لتجدد، وتكرر الإنفاق، وفي آية أخرى، {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [التوبة: ٧١]، والفرق بين هاتين الآيتين: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}: أوسع وأعم من آية الزكاة، {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، فالزكاة تنطوي تحت مما رزقناهم ينفقون.
الرزق: هو كل ما ينتفع به، وليس حراماً ولا يكون الرزق إلّا حلالاً، وقدَّم {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} على {يُنْفِقُونَ}، تقديم المفعول على الفاعل للاهتمام والتوكيد على أنه من رزق الله والرزق لا يقتصر على المال، كما يظن البعض، بل يشمل العلم، والصحة، والأولاد، والطعام. وغيرها.