سورة البقرة [٢: ١٨٦]
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}:
المناسبة: انتبه إلى أهمية وقوع هذه الآية في منتصف آيات الصّيام:
جاء ليذكر المؤمن بأهمية الدّعاء في رمضان، وأثناء الصّيام، وبعد الصّلوات، وفي صلاة الوتر، وعند الإفطار، ووقت السّحر، وعند إكمال العدَّة، ولأنّ دعوة الصّائم لا ترد.
{وَإِذَا}: الواو: عاطفة، إذا: ظرفية شرطية تدل على حتمية حدوث الأمر الّتي جاءت في سياقه كثرة حدوثه، وهو الدّعاء، ولم يقل: وإن سألك عبادي، إنْ: تدل على الاحتمال والندرة.
{سَأَلَكَ}: يا محمّد -صلى الله عليه وسلم- أي: سؤال في شأني، أو حاجة، روي أنّ أعرابياً قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه» أخرجه الطّبري، والدّارقطني.
{عِبَادِى}: النّاس ثلاثة أقسام: عبيد، وعبادي، وعباد، كلّهم عبيد لله في الدّنيا، ومن هؤلاء العبيد من يصبح مؤمناً مطيعاً لله ورسوله، فيرتقي بذلك من درجة العبيد إلى عبادي، ومن هؤلاء العدد الكبير «عبادي»، من يرتقي إلى درجة أعلى من عبادي إلى درجة عباد، وهم قلة وصفوة النّاس، أمثلة: {وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [آل عمران: ١٨٢]، {قُلْ يَاعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ} [الزمر: ٥٣]، {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: ١٧٩].
فكلمة عبيد: تشمل الكافر، والمؤمن. وكلمة عبادي: أفضل وأعلى درجة من عبيد؛ أي: الذين اختاروا أن يكونوا عباداً لله تعالى، وكلمة عباد: أفضل وأعلى درجة من عبادي هم الصفوة.
أما في الآخرة: فالكلّ يصبح عباد؛ لأنه ليس هناك تكليف، أو عبادة، فالكل مطيع، ولا يعصي.
{عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ}: الفاء في فإني تفيد المباشرة، والتّعقيب؛ أي: بمجرد رفع صوتهم فإني أسمعهم، فالقرب هنا ليس قرب مكان، ولكن قريب بعلمه، فهذا يدل على سمعه، وكرمه، واستجابته، فهو يعلم أحوالنا، ويسمع أقوالنا، ويرى أعمالنا، فهو قريب، بل أقرب من حبل الوريد، ولم يقل: فقل لهم إني قريب؛ أي: من دون قل، أو: فقل لهم؛ لأنها تبعد، أو تفصل القرب من الرّب، فلذلك حذفها؛ لتكون وسيلة الاتصال مباشرة بين العبد وربه، ومن دون تدخل الرّسول -صلى الله عليه وسلم-.
{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ}: أجيب، وقيل: بمعنى اسمع دعوة الدّاع، أو دعاء الدّاع، إذا دعان، أجيب: أعطي السّائل سؤله، وإذا كان الدّعاء؛ يعني: العبادة؛ أي: أقبل عبادة من عبدني، وقدَّم الإجابة على الشّرط بدلاً من أن يقول: إذا دعان الدّاع أجيبه، أو أستجيب له للاهتمام، والإجابة من الله تعني: القبول، والإجابة من العبد تعني: الطّاعة، والعبادة، والإيمان.
{إِذَا}: شرطية، تستعمل للأمور الواقعة لا محالة، والكثيرة الحدوث.
{دَعَانِ}: ولم يقل: دعاني «بالياء»، وحذف الياء؛ ليقصر الكلمة؛ لتدل على مجرد ما يبدأ بالدّعاء أجيبه، أو تبدأ الاستجابة، فليس هناك فاصل زمني، وقد تعني دعان بدعاء واحد لأمر واحد، أو أمور متعددة أدعية مختلفة، أو دعان لثوان فقط، دعاء قصير جداً، أو أطال الدّعاء «ذو دعاء عريض»، أجيب دعوة الدّاع إذا دعان إذا كانت الإجابة خيراً له، وأجيبه إن لم يسأل مُحالاً، وما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، وما لم يستعجل بالإجابة، وما لم يتغذَّ بالحرام، وفي الآية حثٌّ وحضٌّ على الدّعاء، خاصة في شهر رمضان الفضيل.
{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى}: الفاء: في فليستجيبوا لي: تدل على المباشرة والتّعقيب؛ أي: ليستجيبوا لي بسرعة، ومن دون تردد مباشرة، واللام: لام التّعليل، والأمر فليستجيبوا لي بالطّاعة، والإيمان، والدّعاء، والعبادة.
{لِى}: لي لوحدي بإخلاص، {وَلْيُؤْمِنُوا بِى}: اللام: لام الأمر، والتّعليل؛ أي: يداوموا على الإيمان بي، ويستمروا على ذلك.
{لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}: لعل: للتعليل؛ يرشدون: من الرَّشد: بفتح الراء، ويعني: الصلاح في أمور الدين؛ أي: ليرشدوا؛ أي: يهتدوا إلى الصّراط المستقيم، والحق والاستعداد للآخرة.، ويَرْشُدون تعني: الاستقامة على الدّين أيضاً، والبعد عن طريق الغي والضّلال، وأما الرُّشد: بضم الراء يعني: الصلاح في الأمور الدنيوية والأخروية، والرُّشد: أعم من الرَّشد. ارجع إلى سورة النّساء، آية (٦).