للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ٢٣٤]

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}:

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ}: تقبض أرواحهم بالموت؛ أي: يموتون، أو تتوفاهم ملائكة الموت، وحذف الفاعل، وهو الله سبحانه.

{وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}: أي: يتركون أزواجاً، جمع زوج، أو زوجة؛ أي: زوجات، والزوج يطلق على الذكر والأنثى، ويسمى كل من الرجل والمرأة زوجاً؛ لأنّ كلاً منهما مكانه يشبه الآخر، وهنا تعني: الزوجة.

{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ}: التربص: هو الانتظار، والتربص: هو الانتظار الّذي يشعر فيه المنتظر بطول الزمن، أو طول الانتظار، ارجع إلى الآية (٢٢٦) من سورة البقرة.

{يَتَرَبَّصْنَ}: أي: ليتربصن: لام التّوكيد (الأمر). والباء: للإلصاق، والتأكيد.

{أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}: وهي عدَّة المتوفَّى زوجها، هذا إن لم تكن حاملاً؛ فإن كانت حاملاً فعدتها أن تضع حملها، كما جاء في الكتاب والسنة: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤].

إذن: عدَّة المتوفَّى زوجها (٤) أشهر وعشراً، وعليها التربص حتّى انقضاء العدَّة، وتتضمن العدَّة: عدم التزين، والخروج إلى الأسواق؛ إلَّا للضرورة، وعدم التعرض لأنظار الخطاب، والبقاء في بيت الزوجية.

والسؤال الأول: لماذا قال: عشراً، ولم يقل: عشرة؟

لأنّ العرب تقول: عشر ليالٍ، وعشرة أيام؛ فإذا أبهمت العدد غلبوا الليالي.

إذن هنا العدَّة أربعة أشهر وعشر ليالٍ.

السّؤال الثّاني: لماذا العدَّة هنا أربعة أشهر وعشراً، أما عدَّة المطلقة (٣) قروء ـ أو عدَّة من غير ذوات الحيض لصغر سنها، أو كبرها ثلاثة أشهر ـ مع العلم أنّ براءة الرحم تكون بثلاثة قرء، أو ثلاثة أشهر؟

الجواب: لأنّ المتوفَّى عنها زوجها تحتاج إلى وقت أطول لكي تهمد العاطفة الزوجية الّتي كانت بينها وبين زوجها المتوفَّى ـ من حب وإخلاص ـ بعكس المطلقة الّتي عادة تكره زوجها، بل هذا اعترافٌ له بالفضل، واحترامٌ له، ولأهل الزوج، وقدسية الأسرة ـ خاصة إذا كان له أولاد ـ.

السّؤال الثالث: هل هذه الآية ناسخة لآية الحول البقرة (٢٤٠)، ولماذا سبقت هذه الآية آية الحول في القرآن: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}؟

ذهب جمهور العلماء: أنّ هذه الآية ناسخة لقوله سبحانه: {وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} إذن العدَّة كانت حولاً كاملاً، ثم نسخ ذلك، وأصبحت أربعة أشهر وعشراً، ولنعلم أنّ هذه الآية، وإن كانت متقدِّمة في القرآن، أو التلاوة على آية الاعتداد بالحول؛ إلَّا أنها نزلت بعد آية الاعتداد بالحول، فهذا يدل على أنّ ترتيب القرآن كما عليه الحال قد يخالف ترتيب النّزول.

{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}:

{فَإِذَا}: الفاء: للترتيب، والتعقيب.

{بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}: أي: أتممن عدتهن وانتهت مدَّة التربُّص.

الأجل: هو المدَّة المضروبة (أي: المحددة)؛ لانقضاء الشّيء، وكل أجل مدَّة، وليس كل مدَّة أجلاً، والمراد به هنا: انقضاء العدَّة.

{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}: فلا إثم عليكم، ولا جناح جملة اسمية أقوى بالنفي من الجملة الفعلية، وليس عليكم جناح.

{فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنْفُسِهِنَّ}: من التزيُّن، والتعرُّض للخطاب بعد انقضاء العدَّة.

{بِالْمَعْرُوفِ}: المعروف هنا جاء على شكل معرفة بـ (أل): وهو الزواج، أو بالوجه الّذي يقرُّه الشّرع؛ أي: بعد انقضاء العدَّة (٤) أشهر وعشراً لا جناح عليكم فيما إذا تزوَّجن، والباء بالمعروف باء الإلصاق؛ أي: الزواج.

إذن بالمعروف: بالزواج.

{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ}: أي: تقولون، أو تفعلون: {خَبِيرٌ}: ببواطن الأمور وظواهرها، وقدم تعملون على خبير؛ لأن سياق الآية في العمل (التربص والعدة)؛ ارجع إلى الآية (٢٤٠) من نفس السورة للمقارنة والبيان.

ثم يذكر الله سبحانه بعد عدَّة المتوفَّى عنها زوجها كيف تتم الخطبة.