سورة الأنعام [٦: ٣٥]
{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِىَ نَفَقًا فِى الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِى السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}:
{وَإِنْ كَانَ}: الواو: عاطفة، إن: شرطية؛ تفيد الندرة، أو الاحتمال.
{كَانَ}: للتوكيد.
{كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ}: أيْ: شق وعظيم {عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ}.
{عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ}: الإعراض: هو التولي، والانصراف عن الإيمان، وعدم استجابتهم لك، وتكذيبهم، وكفرهم بآيات الله، والإعراض عن الدخول في الإسلام، والحقيقة: أن إعراضهم قد كبُر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشقَّ عليه ذلك، ودلَّ على ذلك قوله سبحانه: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٣].
وقوله تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: ٨].
{فَإِنِ}: الفاء: رابطة لجواب الشرط، إن: شرطية؛ تفيد الاحتمال، أو الندرة.
{اسْتَطَعْتَ أَنْ}: أن حرف مصدري؛ يفيد التعليل، والتوكيد.
{تَبْتَغِىَ نَفَقًا فِى الْأَرْضِ}: أيْ: أن تلتمس، أو تبحث عن نفقٍ في أعماق الأرض، فتسير فيه، حتى تعثر على آية؛ أيْ: معجزة فتأتيهم بها.
{أَوْ سُلَّمًا فِى السَّمَاءِ}: أو تلتمس سُلَّماً في السماء؛ فترقى فيها؛ حتى تأتيهم بآية، كما اقترحوا؛ تدل على نبوَّتك، فائْت بها إن استطعت، وما طلبوه منك ليس أمراً جديداً، فكثير من الأقوام طلبوا من رسلهم آية أو آيات؛ أيْ: معجزات تدل على نبوَّتهم.
والحقيقة: حتى ولو جئتهم بما طلبوا، وليست آية واحدة، بل آيات عدة؛ فهم لن يؤمنوا، كما فعل من سبقهم، وهذه ليس مهمتك إن أنت إلّا نذير وبشير، فما عليك إلَّا بالصبر.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ}: لو: شرطية. شاء الله: المشيئة: تأتي قبل الإرادة.
{لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى}: على الإيمان، والدِّين الواحد؛ حيث هو قادر على هدايتهم، أو إذا لم يهتدوا قهرهم، وحملهم على الإيمان، بإنزال آية من الآيات فوق رؤوسهم، وعندها يكون إيمانهم ليس اختياراً، بل قسراً، والله -جل وعلا- لا يريد ذلك، أو غني عن ذلك.
{فَلَا}: الفاء: للتوكيد، لا: الناهية.
{تَكُونَنَّ}: النون: لزيادة التوكيد.
{مِنَ الْجَاهِلِينَ}: والرسول -صلى الله عليه وسلم- معصوم من الجهل: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}.
فالخطاب مُوجَّه إليه -صلى الله عليه وسلم-، لكن المقصود أمَّته المسلمة.
{فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}: لسنن الله وحكمه، وليس عليك هداهم، وإنما عليك البلاغ المبين، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى، وعلى دِين واحد، أو لو شاء لهداهم أجمعين. ارجع إلى سورة الزمر آية (٦٤)، وسورة الفرقان آية (٦٣) لبيان معنى الجاهلين.