للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الفرقان [٢٥: ٤٥]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا}:

في هذه الآية والآيات القادمة يذكر الآيات الكونية العجيبة الدالة على توحيد الألوهية والربوبية.

{أَلَمْ}: الهمزة همزة استفهام تحمل معنى التقرير. لم: حرف نفي.

{تَرَ}: رؤية عقلية أو فكرية ورؤية بصرية أيضاً؛ أي: ألم تعلم، أو يصل إليك العلم، والخطاب هو لكل من شأنه أن يخاطب؛ أي: النبي وكل الناس.

{إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}: الظل: ما بين الفجر وطلوع الشّمس، والظل: قيل هو خيال الأشياء المادية ذات الحجم الناتج عن عدم اختراق أشعة الضوء المرئي للطبقة الغازية المحيطة بالأرض بشكل مفاجئ، أو بغتة، ولكن بشكل تدريجي ولبعض الأجسام والظل يحمينا من حرارة الشّمس، فهو رحمة من الله، وهو آية تدل على تمام قدرة الله وعظمته وتمام رحمته، ولولا الشّمس ما كان الظل، أي: الشّمس هي سبب الظل. وهناك من فرق بين الظل والفيء:

الظل: قيل هو ما بين طلوع الفجر وشروق الشمس.

وقيل الظل: شيء من النور (بدون شعاع الشمس) كما قال تعالى: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} [الواقعة: ٣٠].

وقيل الظل: ظل كل شيء، وظل كل شخص.

وهناك من قال: هو الليل، والمعنى قد يحتمل الجميع.

وأما الفيء: قيل: هو الظل، وقيل: ما كان قائماً لم ينسخه ضوء الشمس، وقيل: الفيء يشمل الظل فكل فيء ظل، وليس كل ظل فيئاً. ارجع إلى سورة يس آية (٥٦) لمزيد من البيان في معنى الظل.

أما تفسير مَدَّ الظل: بما أن الظل كما قلنا بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فالمفروض أن يكون الظل فقط في ذلك الزمن، ولكن الله سبحانه مده؛ أي: طوله (جعله أطول) بحيث يمتد فنراه في أول النهار ممتد، ثم يتناقص وفي آخر النهار يزداد، وإذا كان معنى الظل أيضاً الليل؛ فالليل يطول في الشتاء ويقصر في الصيف، وهذا يذكرنا بقوله تعالى: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القصص: ٧١]، {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القصص: ٧٢].

{وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا}: أيْ: لا يتحرك بالزيادة والنقصان أو يزول أو يبقى ثابتاً، وذلك بأن تكون الشمس مستقرة ثابتة لا تجري ولا تدور.

أيْ: يجعل ظل الأشياء ثابتاً لا يتغير بالشّمس والزّمن، ولكنه سبحانه جعله يتغيَّر ينقص في أول النّهار شيئاً فشيئاً، ويزداد في آخر النّهار شيئاً فشيئاً ويجعله ساكناً بسكون الشّمس وعدم دورانها فتبقى منطقة ما من الأرض في ظل دائم لا ترى الشمس إلى الأبد، بينما تبقى منطقة أخرى في نهار دائم، وأخرى منغمسة في ليل حالك شديد السواد؛ مما يجعل الحياة مستحيلة على كوكب الأرض، ومن طول الظل وامتداده يمكن معرفة الزّمن، وهذه فائدة ثانية والأولى الحماية من أشعة الشّمس الضارة، وكذلك التخفيف من حرارة الشمس وغيرها.

{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا}: ثم: تفيد الحال: أيْ: سلَّط الشّمس على الظل أو كأنه نصب الشّمس على الظل دليلاً، فهو يزيد وينقص حسب موقع الشّمس أو يمتد ويتقلَّص.