هذه الآية (٢٦) والآية (٢٧) جاءتا في سياق غزوة بني قريظة بعيد غزوة الخندق في السّنة الخامسة للهجرة، فبعد أن رجع الأحزاب مهزومين.
وعاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون إلى المدينة، وكان بنو قريظة آنذاك قد نقضوا العهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانضموا إلى الأحزاب ضد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما إن وصل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة جاء جبريل -عليه السلام- ليخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخروج والسّير إلى بني قريظة، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منادياً ينادي في المدينة بالخروج والسّير إلى بني قريظة قائلاً: لا يصلين أحدكم العصر إلا ببني قريظة. رواه البخاري في صحيحه ومسلم عن حديث عبد الله بن عمر، فاجتمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع المؤمنين وحاصروا بني قريظة حوالي (٢٥) ليلة، وأجهدهم الحصار وقذف الله الرّعب والذّعر في قلوب بني قريظة وخيَّر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بني قريظة على أحد أمرين إما أن يقبلوا بحكمه -صلى الله عليه وسلم- أو بحكم سعد بن معاذ، فأبوا حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهم، وقبلوا بحكم سعد فحكم بأن يقتل الرّجال وتسبى الذّراري والنّساء وتقسم الأموال، فقال له رسول الله: لقد حكمتَ فيهم بحكم الله عز وجل من فوق سبع سموات، وأنزل الله سبحانه في بني قريظة هاتين الآيتين فقال تعالى:
{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ}: وأنزل الله سبحانه بقدرته الّذين ظاهروهم أيْ: ظاهروا الأحزاب وعاونوهم ضد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم يهود بني قريظة.
من صياصيهم: أنزلهم من حصونهم بعد أن حاصرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٢٥) ليلة، صياصيهم: جمع صيصة: وهي كلّ ما يتحصن به أو يُتمنعُ به، أيْ: يلجأ إليه.
{وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}: الخوف الشّديد والذّعر الّذي يظهر على هيئة المرعوب مما سيحل به أدَّى بهم إلى القبول بحكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم بقتل المقاتلين من بني قريظة من الرّجال.
{فَرِيقًا تَقْتُلُونَ}: وهم الرّجال.
{وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا}: وهم النّساء والذّراري (الأطفال) وهم لا يحملون أيَّ سلاح، انتبه قدَّم المفعول على الفعل حين قال: فريقاً تقتلون ولم يقل: تقتلون فريقاً التّقديم على الأهم والتّوكيد على أمر القتل العجيب الذي يحل بهم بعد أن ينزلوا من صياصيهم، بينما قدَّم الفعل على الفاعل كما هو المفروض حين قال: وتأسرون فريقاً وجاء بصيغة المضارع في كلا الفعلين للدلالة على حكاية الحال، رغم أنّ كلاهما حدث في الزّمن الماضي للدلالة على بشاعة القتل والأسر، وجاء بصيغة المضارع لكي يشعر كأنّه يحدث الآن.