سورة غافر [٤٠: ٢٢]
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِىٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ}:
{ذَلِكَ}: ذا اسم إشارة واللام للبعد؛ أي: ذلك العذاب والأخذ الّذي حلّ بهم من الهلاك والدّمار.
{بِأَنَّهُمْ}: الباء باء التّعليل، أنّهم: أن للتوكيد، والضّمير (هم) يعود على الكفرة من الأمم الماضية.
{كَانَتْ تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}: بالحجج الواضحة والمعجزات والآيات الدّالة على صدق الرّسل، والدّالة على وجوب الإيمان بالله وحده.
{فَكَفَرُوا}: الفاء للتعقيب والمباشرة؛ أي: كفروا مباشرة بالرّسل ولم ينتظروا ويفكروا.
{فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ}: الفاء للتوكيد، أخذهم الله: أي عاقبهم بشدة فعذّبهم وأهلكهم. والأخذ فيه معنى الشّدة والقوة.
{إِنَّهُ}: إن للتوكيد.
{قَوِىٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ}: قوي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السّماء.
شديد العقاب: العقاب ارجع إلى الآية (٣) من السّورة نفسها؛ لمزيد من البيان. قوي شديد العقاب فيها مبالغة في التّحذير والإنذار.
وإذا قارنّا هاتين الآيتين (٢١ – ٢٢) من سورة غافر مع آيات أخرى مماثلة مثل:
الآية (٦٩) من سورة التّوبة: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِى خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
والآية (٩) من سورة الرّوم: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
والآية (٤٤) من سورة فاطر: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَىْءٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَلَا فِى الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}.
نجد أنّ هاتين الآيتين من سورة غافر: فيهما الكثير من التّوكيدات مثل زيادة (هم) وتكرار (فأخذهم الله) (مرتين) {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ}، {إِنَّهُ قَوِىٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} هذه التّوكيدات تدل على شدة الإنذار والتّحذير والعاقبة أكثر من الآيات الأخرى.