سورة البقرة [٢: ١٥٩]
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}:
{إِنَّ}: حرف مشبه بالفعل يفيد التّوكيد.
{الَّذِينَ}: اسم موصول يشير إلى دنو منزلة.
{الَّذِينَ}: يشمل كل من يكتم سواء أكانوا من أهل الكتاب، أو الأحبار، أو العلماء، أو الرؤساء، أو علماء المسلمين، أو أي إنسان يكتم آية أو حديثاً.
{يَكْتُمُونَ}: من الكتم. وكتم الشيء: سكت عن ذكره.
والكتمان: ترك إظهار الشيء مع الحاجة إلى الإظهار، وقيل: الكتمان يختص بالمعاني، والأسرار، والأخبار، والإخفاء يختص بالأشياء المادية الحسية. قال: {يَكْتُمُونَ}، ولم يقل: كتموا، يكتمون: تدل على تجدد، وتكرار كتمانهم، فهم لا يزالون يكتمون، ولم يكفوا عن ذلك.
{مَا}: اسم موصول، لغير العاقل، والعاقل.
{أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ}: جمع بينة، وهي ما يثبت به الشيء المراد إثباته، والمراد هنا ما يثبت نبوة محمّد -صلى الله عليه وسلم- من نعوت وصفات، جاءت في التّوراة والإنجيل، وكل ما أنزله الله على الأنبياء من الكتب، والوحي، والبينات، والآيات، والأحكام، والحلال، والحرام، والحدود، والفرائض، والأحاديث النبوية الصحيحة.
{وَالْهُدَى}: القرآن، واتباع ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الدِّين الحق (الإسلام).
{مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَابِ}: {الْكِتَابِ}: اسم جنس شامل لكل الكتب السماوية، والكتاب هنا يعني: التّوراة، والإنجيل، والقرآن، والزبور، والصحف؛ أي: لم ندع موضع شك، أو اشتباه على أحد إلَّا بيناه لهم فيها، ومع ذلك هم عمدوا إلى ذلك الأمر المبين فكتموه ولبسوا على النّاس، وحرفوه، أو بدلوه.
{لِلنَّاسِ}: اللام: لام الاختصاص. النّاس: ارجع إلى الآية (٢١) من نفس السورة لمزيد من البيان.
{أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}: أولئك: اسم إشارة يفيد التحقير، ودنو منزلتهم يشير إلى الّذين يكتمون ما أنزل الله تعالى من الوحي على الأنبياء والرسل أياً كانت ملتهم.
{يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ}: اللعنة الطرد والإبعاد من رحمة الله، والمنع من الخير.
{وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}: تكرار يلعنهم يفيد التّوكيد، واللاعنون: هم الملائكة، والمؤمنون من الثقلين: الجن والإنس، وقيل: كل من يتأتى منه اللعن، ويشمل الحيوان والنبات.
واللعن: يكون بالدعاء عليهم باللعنة.
وقوله: {يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}: جاء بالفعل المضارع (يلعن): ليدل على التجدد، والتكرار، ولم يقل: لعنهم وانتهى الأمر.
فالله يلعنهم، ويلعنهم اللاعنون ما داموا يكتمون ما أنزل الله، وما داموا أحياء، وإذا انتهوا، وأصلحوا، أو بينوا للناس ما كتموه، وتابوا فإن الله يتوب عليهم، كما بينه الله تعالى في الآية (١٦٠)، وفي الحديث الصحيح عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من سُئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار». ارجع إلى الآية (١٦١) في نفس السورة لمقارنة آيات اللعن في القرآن.