للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة المائدة [٥: ٩٤]

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَىْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}:

المناسبة: بعد ذكر المحرمات الدائمة في كل زمان ومكان في مطلع السورة؛ كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، وذكر الخمر وغيره من المحرمات في الآية (٩٠).

يذكر في هذه الآية محرمات من نوع خاص؛ أيْ: في أزمنة خاصَّة، وأمكنة خاصَّة؛ مثل: الصيد المحرم فقط، في زمن الإحرام، وفي مكان خاص، هو الحرم وقت الحج، على نحو ما، ابتلى الله -جل وعلا- به بني إسرائيل في تحريم الصيد عليهم يوم السبت. ارجع إلى سورة الأعراف، الآيتان (١٦٣-١٦٤).

ابتلى اللهُ المؤمنين في زمن الإحرام، وداخل الحرم بعدم الصيد، فينادي الله تعالى الذين آمنوا بأمر جديد، فيقول تعالى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَىْءٍ مِنَ الصَّيْدِ}: اللام: لام التوكيد، والنون في (يبلونكم): لزيادة التوكيد.

وقيل: حدث هذا الابتلاء في عام الحديبية، عندما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته في طريقهم إلى العمرة، فكان الطير والصيد تأتيهم من كل مكان، ونزلت هذه الآية؛ تنهاهم عن الصيد، وهم في حالة الإحرام للعمرة، فكان ذلك ابتلاءً وامتحاناً؛ لمعرفة صدق إيمانهم، وطاعتهم.

{بِشَىْءٍ مِنَ الصَّيْدِ}: الباء: للإلصاق، من: للتبعيض؛ أيْ: بعض الصيد، وهو صيد البر، أما صيد البحر؛ فقد كان حلاً لهم.

{تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}: تلتقطه أيديكم من دون جهد؛ أيْ: سهلة الصيد، أو باستعمال أدوات الصيد من الجوارح والكلاب؛ التي تستعمل لصيد الغزلان، وغيرها.

{لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ}: اللام: لام التعليل، ليس المقصود هنا ليعلم الله من يخافه بالغيب، كما هو الظاهر في الآية، فالله -جل وعلا- يعلم ذلك منذ الأزل، يعلم ما سيحدث لكم؛ من الطاعة، أو المعصية قبل خلقكم، وليعلم هنا؛ أيْ: لكي يقيم عليكم الحُجَّة؛ أيْ: تعلموا أنفسكم من أطاع ممن عصى، فلا يدعي أحد أنه لو ابتُلي لفعل كذا، وكذا، والابتلاء هنا؛ ليرى هو نفسه نتيجة ابتلائه.

{مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ}: الخوف من الله بالغيب، أشد من الخوف منه -عز وجل- بالعلن.

{فَمَنِ اعْتَدَى}: الفاء: عاطفة، من: شرطية.

{اعْتَدَى}: تجاوز حدود الله، واصطاد، وعصى، وأخلَّ بإحرامه.

{بَعْدَ ذَلِكَ}: بعد هذا الأمر بالنهي.

{فَلَهُ}: الفاء: رابطة لجواب الشرط، فله: اللام: لام الاستحقاق.

{عَذَابٌ أَلِيمٌ}: في الدنيا والآخرة.