للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ٥٩]

{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِى قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}:

{فَبَدَّلَ}: أي: الّذين ظلموا أوامر الله، ولم يتبعوها، فقد أمروا بالاستغفار، والتوبة، والسجود، فخالفوا ذلك، ولم يفعلوها، وقالوا {قَوْلًا غَيْرَ الَّذِى قِيلَ لَهُمْ}، وقيل: إنهم بدلوا قول الحطة، بالحنطة، ولم يدخلوا ساجدين، ولم يتمثلوا أوامر الله تبارك وتعالى.

وفي آية سورة الأعراف (١٦٢): {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}، تدل على التخصيص؛ أي: هناك من ظلم نفسه، وهناك من لم يظلم، واتبع أوامر الله، ارجع إلى الآية (١٦٢) من سورة الأعراف، وفي آية سورة البقرة: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا}؛ ولم يقل: منهم؛ كأنه لا يريد أن يصرح من هم الظالمون، ولكنه أعاد ذكرهم في آخر الآية؛ فقال: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}، وفي هذا تقبيح، وتهويل لظلمهم.

{فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}:

الرجز: بكسر الراء يعني: العذاب كما روي عن ابن عباس وغيره؛ وأصل الرجز هو الاضطراب، ومنه ناقة رجزاء، إذا تقارب خطوُها، واضطرب؛ لضعف فيها، وسمي العذاب رجزاً؛ لما فيه، من الفزع والاضطراب.

وأما قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: ٥]؛ تعني: الأصنام كما قال ابن عباس، أو المعصية كما قال آخرون، وأما قوله تعالى: {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} [الأنفال: ١١]؛ تعني: وسوسته وشك الشيطان.

فالرجز: تعني العذاب، أو الأصنام، أو وسوسة الشيطان وكيده، ووردت الرجز في عشر مواضع بهذه المعاني الثلاثة، وأما الرَّجْزَ: بفتح الراء والتشديد تعني: الذنب أو العذاب وعبادة الأوثان؛ أي: الشرك.

وأما الرجس: فهي أوسع معنى من الرجز؛ تعني: الشيء أو الأمر المستقبح القذر النجس، وتعني العذاب؛ فالرجس أعم من الرجز؛ أي: الرجس تشمل العذاب وغيره من القبيح والقذر من عبادة الأوثان والشرك.

{فَأَنزَلْنَا}: الفاء؛ تدل على المباشرة، والتعقيب.

الإنزال؛ يعني: مرة، أو عدَّة مرات، أما الإرسال؛ فيعني: التواصل، والاستمرار، والشدة في الإنزال كما قال تعالى في الآية (١٦٢) في سورة الأعراف: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ}.

أمثلة على آيات الإرسال: في سورة الحجر الآية (٢٢): {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}؛ وتلقيح الأزهار، والثمار، يكون بشكل مستمر.

في سورة طه: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ}؛ لأنه؛ أراد لهم الغرق، والطوفان يحتاج إلى استمرار هطول المطر، وكذلك قوله على لسان هود في سورة هود الآية (٥٢): {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا}، من هذه الآيات؛ نلاحظ الإنزال، يكون مرة أو مرتين، والإرسال يكون بشكل متواصل، مسترسل.

{فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا}: عذاباً، {مِنَ السَّمَاءِ}؛ قيل: هو الطاعون، أو غيره؛ من أنواع العذاب.

{بِمَا}: الباء: للإلصاق السببية، أو المقابلة.

{كَانُوا يَفْسُقُونَ}: لتعريف الفسق؛ ارجع إلى الآية (٥٩) من سورة البقرة، وفي الآية (١٦٢) في سورة الأعراف قال تعالى: {بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ}.

ويجب معرفة أنّ هناك فرقاً بين كلمة {يَظْلِمُونَ} و {يَفْسُقُونَ}.

فالظلم: أشد من الفسق، والفسق: يسبق الظلم، وكل ظالم فاسق، وليس كل فاسق ظالم، وانظر في آية البقرة كيف جاءت كلمة (يفسقون) مع كلمة (الإنزال)، وفي آية الأعراف كيف جاءت كلمة (يظلمون) مع كلمة (الإرسال)، والإرسال أشد من الإنزال، والظلم أشد من الفسق.