سورة الرعد [١٣: ٢]
{اللَّهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}:
وكيف لا يؤمنون بالّذي أنزل إليك الحق؟! والّذي رفع السّموات بغير عمد، والّذي سخر الشّمس، والقمر، والّذي يدبر الأمر، والّذي مد الأرض، وجعل فيها رواسي، وأنهاراً، ومن كلّ الثمرات جعل فيها زوجين اثنين، ويغشي اللّيل النّهار، {فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: ٦].
{اللَّهُ الَّذِى}: الله: اسم علم على واجب الوجود، يتضمن كلّ أسمائه الحسنى، وصفاته العلى.
{رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}: أي: مرفوعة بأعمدة؛ حقيقة قوية جداً؛ نحن لا نراها؛ أي: رفع السّموات بعمد، نحن لا نراها بالعيون؛ لكونها خفية. وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (١٠) من سورة لقمان وهي قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}؛ أي: سبحانه خلقها أولاً، ثم رفعها بعد أن خلقها.
{عَمَدٍ}: جمع: عماد، ومفردها: عامود، وهذه الآية كأنّها تتمة للآية (١٠٥) من سورة يوسف: {وَكَأَيِّنْ مِّنْ آيَةٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}، وفي هذه الآية: رفع السّموات بغير عمد ترونها.
{بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}: كلام إخباري.
{تَرَوْنَهَا}: الهاء: تعود إلى العمد؛ فهو سبحانه رفع السّموات بعمد، وهذه العمد مختفية لا نراها، وتمثل القوى الأربع، وهي:
١ - القوة النّووية الشّديدة أقوى القوى.
٢ - القوة النّووية الضّعيفة.
٣ - القوة الكهربائية المغناطيسية (الكهرومغناطيسية).
٤ - قوة الجاذبية، وهي أضعف القوى المعروفة.
ويجب أن نفرق بين قوة الجاذبية (قوة الجذب للمادة الدّاخلة في تركيب جسم ما (موجات الجاذبية الداخلية) الّتي تتبادل الجذب مع جسم آخر (موجات الجاذبية الخارجية).
فهناك قانونان كقانون الجاذبية: الّذي يشد، أو يربط النّجم الأصغر إلى الأكبر، وقانون الطرد المركزي: الّذي يدفع الجرم الأصغر من الأكبر، وعندما تتساوى قوى الطرد المركزي مع قوى الجاذبية: تتحدد المسافة بينهما، وتظل ثابتة إلا بأمر من الله تعالى.
{السَّمَاوَاتِ}: تعني: السّموات السّبع، وكلمة السّماء: اسم جنس يشمل السّموات السّبع؛ تضم السّموات، وهذه القوى الجاذبية المختلفة بين المجرات، والكواكب، والنّجوم، والشّموس تبقى ثابتة لا تتغير رغم كونها مختلفة؛ فالكون يبقى مستقراً بفضل هذه القوى، ولا ينحرف، وهو بناء دقيق متماسك، وليس فراغاً، كما كان يُظن قديماً.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}: ارجع إلى الآية (٣) من سورة يونس.
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُسَمًّى}: سخر الله الشّمس، والقمر سخرها حين خلقها، ودائماً في القرآن يقول: سخر بالفعل الماضي؛ لأنّ التّسخير، تمَّ سابقاً في مرة واحدة.
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}: تعني: ذلل الشّمس والقمر؛ ليؤديا مهمتهما، ولا اختيار لهما؛ فالشّمس، والقمر كلٌ في فلك يسبحون في المجرة الشّمسية، فهذه المخلوقات خُيرت من قبل فاختارت أن تكون مسخرة، وعندما يقول: سخر لكم، يأتي ذلك في سياق تعداد النّعم، وعندما لا يذكر: لكم، تكون في سياق الكلام عن مطلق قدرة الله تعالى.
{كُلٌّ يَجْرِى}: كلّ: من الشّمس، والقمر. فالشمس تجري حول مركز المجرة، وتجري بحركة مدارية، وتجري في الفضاء نحو نجم النسر، والقمر يجري حول الأرض وحول محوره.
{يَجْرِى}: مشتقة من جري الحصان، أو تجري كجري الأمواج صعوداً، وهبوطاً؛ أي: بشكل متعرج؛ تجري لمستقر لها: فسره العلماء قديماً: هو تحت عرش الرّحمن.
والتّفسير العلمي: تجري إلى ما يسمّى نقطة القمة الشّمسية؛ تجري بزاوية تميل (١٠ درجات) جنوب غرب نجم النّسر، والشّمس، والقمر، والأرض، والكواكب، والنّجوم: الكلّ يجري في المجرة، فالشمس تتم دورة كاملة حول مركز المجرة في (٢٥٠ مليون سنة)، وتتم هزة كاملة من الأعلى إلى الأسفل في (٦٠ مليون سنة).
{لِأَجَلٍ مُسَمًّى}: لأجلٍ: اللام: تفيد الانتهاء والاختصاص، أو بيان العلة (التعليل) يجري لبلوغ النهاية، والأجل المضروب للشمس والقمر وهو يوم القيامة هذا يدل على أنّ التّسخير سوف ينتهي، وينقطع، والتّسخير الحاصل من النّعم الدّائمة علينا، والأجل: هو يوم القيامة، عندها تكون الشّمس قد استنفدت وقودها، ولم تعد مشتعلة، وتسكن، وتخمد، وتنطفئ؛ أي: تفقد إشعاعها، وتصبح بلا ضوء، وعندها ينطبق عليها قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}.
أمّا قوله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}: أي: تجري الآن إلى يوم القيامة؛ حتّى تنقضي مدة أجلها، والأجل: الوقت المضروب لانقضاء الشّيء الّذي حدده لها ربنا، وعندها تُبدل الأرض غير الأرض والسّموات. ارجع إلى سورة لقمان، الآية (٢٩)؛ لمزيد من البيان.
{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}: أي: يصرف أمر ملكوته، وكونه، وخلقه كيف يشاء.
{يُفَصِّلُ الْآيَاتِ}: أي: يأتي بالآيات بأساليب متعددة، ومواضيع مختلفة.
{لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}: لعلكم: لعل: للتعليل؛ بالنظر في هذه الآيات الكونية الدّالة على عظمة الخالق، وقدرته، وكونها مسخرة من أجلكم.
{بِلِقَاءِ}: الباء: للإلصاق، والاهتمام.
{تُوقِنُونَ}: اليقين: هو العلم بالحق، والعلم بأن ليس هناك غيره؛ توقنون بكمال قدرته على البعث، والحساب يوم القيامة؛ توقنون: من اليقين ومحله في القلب، واليقين درجات:
١ - علم اليقين.
٢ - عين اليقين.
٣ - حق اليقين؛ أعلاها حق اليقين. ارجع إلى سورة التكاثر، آية (٥).