سورة البقرة [٢: ٢٣١]
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُم مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ}:
{وَإِذَا}: الواو: استئنافية، إذا: ظرفية للمستقبل شرطية تفيد حتمية الحدوث؛ أي: انتهاء العدَّة.
{طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}: الأجل هنا: زمان العدَّة، وهو ثلاثة قروء.
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}: أي: مرتان، كما قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}: وهذا يسمى الطلاق الرجعي.
{فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}: أي: قرب الأجل؛ أي: انتهاء مدَّة العدَّة، ولا زال هناك زمن قليل، والعدَّة لم تنتهِ بعد.
في هذه الآية يعود رب العالمين ليذكر الزوج الّذي طلق زوجته، وهو ينتظر انتهاء العدَّة (ثلاثة قروء) يذكره إما إمساك بمعروف، أو تسريح بمعروف.
{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}: أرجعوهن قبل انقضاء عدتهن بمعروف؛ أي: هذه هي آخر فرصة لك فكأنّ الله الحق يريد من الزوج التمسك بزوجته، والعودة إليها، وإبقاء الحياة الزوجية.
{بِمَعْرُوفٍ}: الباء: للتأكيد, ومعروف: جاءت نكرة؛ أي: معروف من حسن المعاشرة، والصحبة الصالحة، أو أي: معروف، والمعروف قد تفعله وأنت محب أن تفعله، وهذا يرتقي إلى درجة الإحسان، أو قد تفعله وأنت غير محب له أو بشكل عادي، وهذا يسمى معروفاً.
{أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}: خلوا سبيلهن، ولا تطيلوا عليهن العدَّة بقصد الظّلم.
{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ}: الواو: عاطفة، لا: النّاهية، {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ}: لا ترجعوهن زوجات لكم.
{ضِرَارًا}: لكي تضاروهن بالانتقام منهن، والضرار يعني: أن تصنع شيئاً في ظاهره الخير، وتبطن الشر، مثل: إذلال المرأة، والانتقام منها.
{لِّتَعْتَدُوا}: اللام: للتعليل، والتوكيد، تعتدوا: لكي يؤدي ذلك إلى طلب المرأة الخلع، والافتداء بعد الإمساك.
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}:
{وَمَنْ}: شرطية، {يَفْعَلْ ذَلِكَ}: يعتدي بالإمساك، ثم يطلب الخلع، {ذَلِكَ}: اسم: إشارة يفيد البعد والذم.
{فَقَدْ}: الفاء: للتوكيد، وقد: للتحقيق، وزيادة التّوكيد.
{ظَلَمَ نَفْسَهُ}: بالإثم الّذي قد يوجب العقاب، وسخط الله، فقبل أن يظلم زوجته؛ فقد ظلم نفسه.
{وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}:
{وَلَا}: الواو: استئنافية، لا: النّاهية.
{تَتَّخِذُوا}: اتخذ من أفعال التحويل، والتصيير.
{آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}: أي: بما أنزل الله في الكتاب، فمرة تُطلق، ومرة تُراجع من دون مراعاة ما شرع الله، وتطبيق أحكامه.
{هُزُوًا}: عبثاً، أو تعني: الاستخفاف بآيات الله -سبحانه وتعالى- .
{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}: بالإسلام، والقرآن، والإيمان، والفقه في الدِّين، والهداية بعد ما كنتم في الجاهلية تسبحون في الضلالات، وكنتم تطلقون المرأة مرات عديدة، وتتركونها كالمعلقة، وتظلمونها.
{وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُم مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ}: من الآيات، والأحكام الشرعية المذكورة في القرآن، والحكمة (الفقه في السنة الشريفة).
{يَعِظُكُمْ بِهِ}: يوصيكم به، وينصحكم بالطاعة، ويحذركم منه.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ}: أطيعوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، واحذروه.
{وَاعْلَمُوا}: علم اليقين.
{أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ}: {أَنَّ}: للتوكيد، {اللَّهَ بِكُلِّ}: الباء: للإلصاق، {شَىْءٍ عَلِيمٌ}: صيغة مبالغة كثير العلم.
عليم بما تعملون من أقوال، وأفعال، وعليم بالّذين يستهزئون بآيات الله، وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة، وعليم بنواياكم الحسنة، والسيئة، وما تكنُّ الصدور من خير وشر.