سورة هود [١١: ٤٠]
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}:
{حَتَّى}: حرف غاية نهاية الغاية؛ أي: يصنع الفلك حتّى جاء موعد الطّوفان.
{إِذَا}: ظرفية زمانية متضمنة معنى الشّرط، وتدل على حتمية الحدوث.
{جَاءَ أَمْرُنَا}: الأمر هنا المقصود به العقوبة (الطوفان)، أو العذاب إهلاكهم بالطّوفان، وجاء: تحمل معنى الصعوبة، والمشقة مقارنة بكلمة أتى الّتي تحمل معنى المجيء بسهولة، والطّوفان أمر ليس سهل فهو مخيف، ومرعب، وفيه الهلاك، والغرق.
{وَفَارَ التَّنُّورُ}: التفسير القديم: التّنور تنور الخبز، فار التّنور: نبع الماء منه، وكانت هذه علامة على بدء الطّوفان، وعلامة لنوح، والّذين آمنوا أن يتجهوا إلى الفلك حالاً؛ فقد جاء موعد الإبحار، وتصور كيف ينبع الماء من تنور الخبز؛ فهذه معجزة تذكرنا بكيفية نبع الماء من بين أصابع الحبيب محمّد -صلى الله عليه وسلم-، وتدل على عظمة الله تعالى وقدرته.
أمّا التفسير العلمي، وفار التنور: أيْ: يثور البركان، وتخرج الحمم منه، وبخار الماء الشّديد، ويتحول إلى مطر غزير، يصحب ذلك هزة أرضية تشبه (التسونامي) ترفع السّفينة كالموج الّذي يشبه الجبال عشرات الأمتار.
{قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}: قلنا، ولم يقل: قيل؛ تدل على العناية، والرّحمة بنوح، والّذين آمنوا معه؛ حيث أسند القول إليه سبحانه، وبصيغة الجمع؛ للتعظيم.
{احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ}: احمل فيها: في الفلك. وفي سورة المؤمنون آية (٢٧) قال تعالى: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}، السلوك: الدخول بسهولة، والحمل يكون بعد الدخول، فآية هود جاءت في سياق الحمل، وآية المؤمنون جاءت في سياق الدخول والاستواء والنزول.
{مِنْ}: ابتدائية.
{كُلٍّ زَوْجَيْنِ}: ذكر وأنثى، واحمل فيها ما تحتاجه من طعام، وشراب، ومتاع، ولا تعني: احمل فيها من كلّ أنواع الحيوانات، والنباتات؛ فهذا أمر مستحيل؛ لكون الفلك كان لا يزيد طولها عن (١٥٠ ذراعاً)، وعرضها (٥٠ ذراعاً)، وتعني: احمل فيها الزوج والزوجة (ذكر وأنثى).
وقيل: كانوا قلة عددهم (٣٠-٨٠).
وأما من فسر ذلك: احمل فيها من جميع أصناف الحيوانات، والنباتات؛ فقد قدر العلماء: أن هناك أكثر من (١٢) ألف مليون كائن حي، وهذا من المستحيلات، وكيف يجلب معه الحيوانات المفترسة ويضعها مع الحيوانات الأهلية.
{إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ}: القول: العذاب، والهلاك بالغرق؛ مثل: كنعان، وزوجة نوح.
{وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}: أي: احمل فيها من كلّ زوجين اثنين، وأهلك.
{وَمَنْ آمَنَ}: ما: النّافية.
{وَمَا آمَنَ مَعَهُ}: مع نوح.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{قَلِيلٌ}: قيل: (٧٢) رجلاً وامرأةً، ونوح وعائلته وأولاده يصبح العدد حوالي (٨٠) كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما- .