سورة فاطر [٣٥: ٤٣]
{اسْتِكْبَارًا فِى الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}:
فلما جاءهم نذير كما تمنَّوا وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما زادهم إلا نفوراً (بُعداً عن الدِّين والحقِّ).
{اسْتِكْبَارًا فِى الْأَرْضِ}: ازدادوا نفوراً بسبب استكبارهم ولم يقبلوه ورفضوا اتباعه والتّصديق به. والألف والسين والتّاء في استكباراً تفيد الطلب أو تظاهروا بالكبر وعظم شأنهم فوق ما يستحقون.
{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزّخرف: ٣١].
{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: ٧].
{وَمَكْرَ السَّيِّئِ}: هذا هو السّبب الثّاني، الأول: كان الاستكبار في الأرض، والمكر: هو التّدبير الخفي لإيقاع الضّرر بالغير من غير أن يعلم الممكور به. وهنا يعني إيقاع الأذى برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن آمن معه ليردُّوهم عن دينهم والتّآمر عليهم، كما قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: ٣٠].
ومكر السيِّئ: يدل على تكرار المكر السّيِّئ (أيْ: ماكرين) جملة اسمية تدل على الثّبوت.
{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}: يحيق: يحيط إلا بهم أو تنزل عاقبة المكر السّيِّئ عليهم، كما بيَّن ذلك في قوله تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم} [يونس: ٢٣].
لا: النّافية، يحيق: من حاق، أيْ: أحاط، إلا: أداة حصر، بأهله: بمن يقومون به.
{فَهَلْ}: الفاء للتوكيد، هل للاستفهام، وتحمل معنى النّفي.
{يَنْظُرُونَ}: النّون للتوكيد، بدلاً من فهل ينظروا: وينظرون نظرة فكرية قلبية (تبصرية من البصيرة).
{إِلَّا}: أداة حصر.
{سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ}: السّنة في اللغة: الطّريقة المعتادة المحافظ عليها، أيْ: يتكرر الفعل بموجبها، فهناك السّنن الكونية وسنن الله في خلقه وسنن الأنبياء والصّالحين والسّنن غايتها لتحقيق مصالح النّاس، كما أرادها الله له، ولكي يسود الحق والثّبات في الكون.
سنت الأولين: وهي إهلاك وتدمير وإنزال العذاب على الّذين كذبوا برسلهم من الأمم السّابقة بعد إنذارهم وإمهالهم وإصرارهم على الضّلال والغي والكفر والفسوق. ارجع إلى سورة آل عمران آية (١٣٧) وسورة النّساء آية (٢٦) لمزيد من البيان.
{فَلَنْ}: الفاء للتوكيد، لن: حرف نفي لنفي الحاضر والمستقبل القريب والبعيد.
{تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}: تبديل السّنة (أي: العقوبة أو العذاب) بغيرها أو بعذاب آخر، أو يبدل الهلاك بالعفو والمغفرة.
والإبدال جعل الشّيء مكان الشّيء؛ أي: تغيُّر العقوبة بعقوبة أخرى.
ولن تجد لسنت الله تحويلاً: تكرار لن تجد تفيد التّوكيد وفصل كلاً من التّبديل والتّحويل أو كلاهما معاً.
والتّحويل غير التبديل؛ فالتحويل: هو أن يحول العذاب من قوم إلى قوم آخرين؛ أي: يحول العذاب من الظالمين إلى غيرهم أو المكذبين إلى غير المكذبين، فسنن الله تعالى لا تُبدَّل ولا تُغيَّر ولا تتحوَّل.