سورة المائدة [٥: ٣١]
{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِى الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِىَ سَوْءَةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}:
بعد أن قتل أخاه، لم يدرِ ما يصنع به، فحمله على ظهره؛ كما قيل زمناً.
{فَبَعَثَ}: أيْ: أرسل غراباً, وهناك فرق بين بعث وأرسل؛ البعث: فيه تنبيه وإثارة. ارجع إلى سورة البقرة آية (١١٩) لمزيد من البيان.
{يَبْحَثُ فِى الْأَرْضِ}: ينبش الأرض، ويحفرها بمنقاره ورجليه؛ ليدفن؛ أيْ: ليواري غراباً آخر كان قد قتله.
{لِيُرِيَهُ}: ليعلمه كيف يواري: يستر ويخفي.
{سَوْءَةَ أَخِيهِ}: جثة أخيه، والسوءة: ما يسوء ظهوره؛ أيْ: جثة أخيه، والسوءة عادة هي القبل والدبر، أمّا العورة: فهي ما بين السرّة والركبة.
{قَالَ يَاوَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ}:
{قَالَ يَاوَيْلَتَى}: من الويل: وهو الهلاك، والفناء، والياء: ياء النداء؛ أيْ: كأنك تنادي: يا هلاكي، احضر وخلصني ممّا أنا فيه من الغمّ والهمّ، والويلة: الفضيحة، والعار, والبلية؛ أيْ: وافضيحتاه! وكأنه يطلب حضورها، وأمّا يا ويلتي، فيا عذابي.
{أَعَجَزْتُ}: الهمزة: استفهام تعجُّبي.
{أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ}: أن: حرف مصدري؛ يفيد التعليل.
{فَأُوَارِىَ سَوْءَةَ أَخِى}: أيْ: كيف فاتني؟!، ولم أعرف أن أدفن جثة أخي، وأواريها في التراب، كما فعل هذا الغراب، والغراب: من أذكى الطيور، حاد الذاكرة، شديد الحذر، والغراب يدفن موتاه، وهذا هو السر من ذكر الغراب هنا، وللغربان نظم اجتماعية، ومحاكم، وأحكام تنظم حياتها، كما أن للناس نظماً اجتماعية، وأحكاماً تنظِّم حياتهم.
{فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}: الفاء: تدل على التعقيب، سرعة ندمه.
الندم: هو الأسف وهو من أفعال القلوب، وله درجات وعندما يشتد يتحول إلى حسرة؛ فالحسرة هي أشد الندم, والندم ناتج فقط عن فعل العبد، والأسف قد يكون ناتجاً عن فعل العبد، أو فعل غيره.
{النَّادِمِينَ}: على قتله أخيه، أو على خيبته؛ لأنه لم يعرف ما عرفه الغراب، ومجرد الندم لا يُعد توبة للقاتل العمد.