للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ١٩٧]

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِى الْأَلْبَابِ}:

انتبه إلى النّسق والتّرتيب القرآني بعد أن تكلم عن الأهلة «مواقيت للناس إلى الحج»، ثم الصّيام، ثمّ الحج، وذكر خلال ذلك القتال في الأشهر الحرم يتابع ذكر الحج.

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ}: {الْحَجُّ}: تعريفه، ارجع إلى الآية السّابقة.

{أَشْهُرٌ}: جمع قلة وهي: شوال، وذي القعدة، وذي الحجة؛ أي: الحج أشهر ثلاثة.

{مَّعْلُومَاتٌ}: عند النّاس «ومنهم العرب»؛ لأنّ الحج كان معروفاً عند العرب قبل الإسلام، والحج أشهر معلومات؛ أي: أفعال الحج لا تصلح إلَّا فيها، فلا تبديل، ولا تأخير، كما كان يفعل أهل الجاهلية، ولم يقل الحج في أشهر معلومات: لكان الحج يمكن أن يصح في كل يوم من هذه الأشهر.

{أَشْهُرٌ}: جمع شهر، وأقل الحج ثلاثة، فهي ثلاثة أشهر: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.

{مَّعْلُومَاتٌ}: جمع معلومة «مؤنث معلوم»، اسم مفعول من علم يعلم؛ أي: وأشهر الحج لا تنتهي إلَّا في ثلاثين من ذي الحجة؛ أي: أن لا يخرج شهر ذو الحجة وعليه شيء من أعمال الحج.

{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ}: الفاء: عاطفة للتوكيد، من: شرطية، وجواب الشّرط {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ}.

{فَرَضَ فِيهِنَّ}: نوى، ولبى، ولبس ثياب الإحرام.

{فَلَا رَفَثَ}: الجماع، وقيل: الفحش، والقول القبيح، والحديث عن الوطء. ارجع إلى الآية (١٨٧) للبيان.

{وَلَا فُسُوقَ}: الخروج عن طاعة الله، وارتكاب المعاصي «بترك واجب، أو فعل حرام». ارجع إلى الآية (٢٦) من نفس السورة لمزيد من البيان، وإلى سورة المائدة آية (٣) لمعرفة الفرق بين الفسوق والفسق.

والفسوق: ممنوع في كل وقت، وامتناعه أشد في الحج، والبيت الحرام.

{وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ}: حوار بين طرفين تحصل فيه مشادة كلامية، وخصومة، والتعالي على الخصم، وأحياناً السباب.

وتكرار: {وَلَا} ثلاثة مرات تفيد التّوكيد توكيد النّهي عن عمل أي واحدة منهن الثّلاث، أو كلهن: الرّفث، والفسوق، والجدال.

{وَمَا}: الواو: عاطفة، ما: شرطية تفيد الإطلاق، والشّمول.

{مِنْ}: استغراقية تشمل أي خير.

{خَيْرٍ}: نكرة مهما كان صغيراً، أو كبيراً، والخير: يشمل كل أنواع الطّاعات والذّكر: الصّدقة، والعفو، والصّفح، والكلام الطّيب، ومساعدة الحاج، والصّبر، والنّظافة.

{يَعْلَمْهُ اللَّهُ}: وذكر يعلمه الله للتوكيد، والحث على فعل الخير، وتجنب الدّفع والزّحام والانتظار، فالله يعلم الشّيء قبل أن يقع، ومنذ الأزل، والخير هو الشّيء الحسن النّافع، يعلمه الله؛ أي: فيجازيكم به.

{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}:

سبب نزول هذه الآية: كما روى البخاري عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- : كان أهل اليمن يحجون بلا زاد؛ أي: قوت، ويقولون نحن متوكلون؛ فإن قدِموا مكة سألوا النّاس الزاد، والمركب، وأصبحوا عالةً، وكَلّاً على الآخرين، فأنزل الله هذه الآية.

والعبرة هنا بعموم اللفظ، وليس بخصوص السّبب؛ أي: تزودوا: بالمال، والطّعام، ووسيلة النّقل، وكل شيء تحتاجونه في سفركم، ولا تسألوا النّاس أشياءهم، وتزودوا فيما وراء الزّاد الدّنيوي بزاد الآخرة وهو التّقوى، أو اتخذوا التّقوى زادكم، فإنّها خير زاد «تشبيه بليغ».

{وَاتَّقُونِ}: الواو: استئنافية، اتقون: أطيعوا أوامري، واجتنبوا نواهيّ، أصله اتقوني «الياء محذوفة»؛ أي: اتقون ما استطعتم ومهما كانت لن تكون تقوى كاملة، أو تدل على قلة عدد المتقين مقارنة بعدد الكفار.

{يَاأُولِى الْأَلْبَابِ}: المخلصين الموحِّدين الّذين أنابوا إلى الله، والّذين يستمعون القول «القرآن»، فيتبعون أحسنه «المحسنين»، انظر في سورة الزّمر آية (١٧-١٨)؛ لتعريف أولو الألباب، {يَاأُولِى} أصحاب، اللّب باطن العقل، المؤمنين ذوي العقول النّيرة حكماء الأمة. «المخلصين الموحِّدين» ارجع إلى (١٧٩) من سورة البقرة لمزيد من البيان.