{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ}: فأجاءها: الفاء: للتعقيب والمباشرة؛ أي: أجاها المخاض في وقته بدون تأخير؛ أي: ألجأها، وحملها: أرغمها المخاض، والطّلق إلى اللجوء إلى جذع النّخلة دون إرادتها؛ فكأن هناك قوة خارجية دفعتها للذهاب إلى جذع النّخلة، ولم يقل: وجاءها المخاض؛ أي: هي باختيارها، ورضاها ذهبت إلى جذع النّخلة؛ يقال: جاء فلان؛ أي: جاء باختياره ورضاه، أمّا أجاءه فلان؛ أي: جاء بفلان رغماً عنه، وبدون إرادته ورضاه؛ فأجاءها المخاض؛ أي: جاء بمريم رغماً عنها إلى جذع النّخلة؛ لأنّها تحتاج إلى من يسندها.
{إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ}: وهنا أل التّعريف تعني: النّخلة المعروفة، أو الوحيدة، وجذع النّخلة: ساق النّخلة؛ حتّى تتمسك بجذع النّخلة حين يحدث الطلق، ويكون مساعداً لها في عملية الولادة، ودفع الجنين حيث لم يحضر ولادتها أحد؛ لكي يساعدها.
{قَالَتْ يَالَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَذَا}: قالت مريم آنذاك: يا ليتني: ليت: أداة تمني تستعمل في الأمور المستحيلة الحدوث، أو الصّعبة، أو غير متوقع حدوثها.
{مِتُّ}: بكسر الميم، وكسر الميم يدل على الموت العادي، وأمّا مُت: تستعمل للموت بسبب الجهاد، أو القتال في سبيل الله، أو موت غير عادي. ارجع إلى سورة آل عمران آية (١٥٧-١٥٨) للبيان.
{قَبْلَ هَذَا}: هذا: الهاء: للتنبيه؛ ذا: اسم إشارة تشير إلى المخاض، والولادة. قبل هذا: قبل هذا الزّمن، أو مجيء الولد (أي: الولادة).
{وَكُنْتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا}: تمنت الموت حياءً من النّاس، وكيف تلد، ولم يمسسها بشر، وهل سيصدق النّاس قولها؟!
{وَكُنْتُ نَسْيًا}: شيئاً لا يُذكر، ولا معروفاً، أو شيئاً لا قيمة له مما يؤدي إلى نسيانه.
{مَّنسِيًّا}: توكيد للنسي؛ أي: شيئاً لا يخطر ببال أحد، أو لا يذكرني، ولا يعرفني أحد. تدل هذه الكلمات على الآلام النفسية المسيطرة عليها، ومشاعر الخوف التي تعتريها، وكيف ستقابل قومها قريباً.