للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ٢١٠]

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِى ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِىَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}:

{هَلْ}: أداة استفهام تحمل معنى النّفي، والإنكار، وتعني: ما ينظرون.

{يَنْظُرُونَ}: أي: ينتظرون، ولم يقل ينتظرون، بل قال ينظرون؛ لأنّ مدَّة الانتظار أقل، وكأنّ قيام السّاعة ومجيء الله سبحانه للفصل والقضاء قريباً جداً «استعمل الكلمة الأقل حروفاً ينظرون لتناسب الزّمن القصير»، والفاعل: أي: الّذي ينظرون قد يكون عائد على المنافقين، أو أهل الكتاب الّذين لا يريدون الدّخول في الإسلام، أو عائد على كلّ من يؤمن ببعض، ويكفر ببعض.

{إِلَّا}: أداة حصر.

{أَنْ}: حرف مصدري يفيد التّعليل والتّوكيد.

{يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ}: التّحول من صيغة المخاطب {فَإِنْ زَلَلْتُم مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا} إلى صيغة الغائب يأتيهم يدل على سوء صنيعهم الموجب الإعراض عنهم، ومخاطبتهم بصيغة الغائب تحقيراً لهم، يأتيهم للفصل والقضاء، والحكم بينهم؛ أي: يوم القيامة يوم الحساب، كما في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: ٢٢].

{فِى ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}: جمع ظلة، ولا يكون ظله إلَّا إذا كان متراكباً، والغمام جمع غمامة، وهو السّحاب الّذي لا ماء فيه الأبيض الرّقيق، وسمي غماماً؛ لأنه يَغُم؛ أي: يستر.

{وَقُضِىَ الْأَمْرُ}: أي: فرغ الله سبحانه من القضاء، والفصل، وأوجب العذاب، وكأنّ الأمر حدث، وانتهى.

{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}: للفصل فيها والحساب، وإصدار الحكم، وتقديم إلى الله: تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر؛ أي: إليه وحده ترجع الأمور، ولم يقل: ترجع الأمور إليه، وقال: وإلى الله إضافة اسمه؛ للتهديد، والوعيد، فهو المجازي على الأعمال بالثّواب.

وقوله: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}: بضم التّاء، ولم يقل ترجع بفتح التّاء، فالأعمال تُرجع إليه، وكأنّها لا تريد أن ترجع إليه بإرادتها؛ لأنّها غير صالحة، ولو كانت صالحة لرجعت إليه من دون قهر، وجبر، وتصور إذا كانت الأمور لا تريد الرّجوع، فكيف يكون رجوع أصحابها.

لننظر في الآيات المتشابهة:

سورة البقرة، الآية (٢١٠): {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِى ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِىَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}.

وسورة الأنعام، الآية (١٥٨): {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}.

وسورة النحل، الآية (٣٣): {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.

آية البقرة: جاءت في سياق المنافقين والّذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، وآية الأنعام: جاءت في سياق الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً، وآية النّحل: جاءت في سياق الّذين لا يؤمنون بالآخرة ويتكبَّرون.

والآيتان: {يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ}، أو يأتي ربك يوم القيامة {فِى ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}؛ للقضاء والفصل.

أما قوله تعالى: {يَأْتِىَ أَمْرُ رَبِّكَ}؛ أي: بالعقاب، أو العذاب.

وأما قوله تعالى: {تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ}؛ أي: لقبض أرواحهم، أو بالعذاب؛ لتدميرهم.