ترتيبها في القرآن السّورة (٢٣)، وترتيبها في النّزول السّورة (٧٤).
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}:
قبل البدء في تفسير سورة المؤمنون لا بد من النظر إلى الترابط الوثيق بين نهاية سورة الحج {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الحج: ٧٧]؛ ففيه تكليف وطلب من المؤمنين، وحث لهم، ونداء بالقول: يا أيها الذين آمنوا..... لعلكم تفلحون، ثم ابتدأ هذه السورة بوصفهم بالمؤمنين؛ أي: صفة الإيمان عندهم ثابتة (جملة اسمية)، والذين آمنوا جملة فعلية تدل على التجدد، وكأنه سبحانه طلب منهم الإيمان، وفعل الخير في نهاية سورة الحج؛ فهم قد استجابوا لربهم؛ فهم يقومون بالصلاة والزكاة، والابتعاد عن اللغو، وحفظ الفرج، وتأدية الأمانة، والمحافظة على الصلاة؛ فأصبحوا من المفلحين. انظر إلى قوله تعالى: لعلكم تفلحون في نهاية سورة الحج، وبداية سورة المؤمنون بالقول: قد أفلح المؤمنون، وختم سورة المؤمنون بالقول: إنه لا يفلح الكافرون؛ فإذا كانوا يرجون الفلاح في آية الحج فقد أكد لهم الفلاح في سورة المؤمنون بالقول: قد؛ أي: تحقق لهم الفلاح، وحصل لهم ما كانوا يرجوه، ثم انظر إلى نهاية سورة المؤمنون حيث قال تعالى:{إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون: ١١٧].
{قَدْ}: حرف تحقيق أي: التّوكيد لفلاح المؤمنين.
{أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}: المؤمنون الذين آمنوا الإيمان الخالص لله والذي ينطوي على توحيد الإلوهية والربوبية والأسماء والصفات؛ أي: لا فلاح من دون الإيمان. الفلاح: النّجاة من النّار والفوز بالجنة والبقاء السّرمدي في النّعيم، والفلاح يعني: إدراك البغية أو المطلوب، أفلح: بصيغة الماضي يفيد الثّبوت والتّحقق، المؤمنون: جمع مؤمن: هو المصدق بالله وبما أنزل الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولم يقل: الّذين آمنوا، المؤمنون جملة اسمية؛ أي: الّذين أصبح الإيمان صفة ثابتة لهم بينما الّذين آمنوا: جملة فعلية تدل على تجدُّد وتكرار إيمانهم، ارجع إلى سورة البقرة آية (٥) لبيان معنى الفلاح، ثمّ يذكر سبع صفات لهم ـ وهذا ما يسمَّى تفصيل بعد إجمال ـ وجاءت هذه الصّفات كصفات ثابتة لا تتغيَّر عندهم كقوله: خاشعون، فاعلون، حافظون....