{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا}: أي من أمامهم سداً {وَمِنْ خَلْفِهِمْ}: ولم يقل من بعدهم؛ لأن بعدهم قد تعني الزمان والمكان، وخلفهم تعني فقط المكان؛ سداً: السّد: الحاجز أو المانع، واستعمال (من) هنا تفيد القرب أو الالتصاق بالسّد من الأمام فهم يقفون مباشرة وراء السّد الّذي أمامهم فلا يوجد أيّ مسافة فاصلة، لزيادة عذابهم، وكذلك من ورائهم مباشرة سدٌّ آخر لا فاصل بينهم وبينه لا في الأمام ولا في الخلف؛ كي لا يسمح لهم بالحركة وعدم رؤية أي شيء. وإذا سألك سائل ما هو الفرق بين (ومن خلفهم، أو من بعدهم؟) الجواب: هو أن خلفهم: تستعمل في سياق المكان في الأصل، وبعدهم: تستعمل في سياق الزمان على الغالب وبعد نقيضها قبل.
وتكرار (سداً) للتوكيد.
{فَأَغْشَيْنَاهُمْ}: الفاء السّببية، أغشيناهم: بالإضافة إلى السّد من بين أيديهم ومن خلفهم سداً، أغشيناهم؛ أي: جعلنا على أبصارهم غشاوة؛ أي: جعلناهم كالعُمي، أو أغشيناهم بالسد الذين بين أيديهم وخلفهم لكونه عالياً أو كلاهما.
{فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}: فهم الفاء السّببية، هم: ضمير فصل يفيد التّوكيد، لا يبصرون شيئاً أمامهم ولا خلفهم ولا عن اليمين ولا عن الشمال، وكما قال تعالى:{رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا}[طه: ١٢٥]. والسؤال هنا: إذا كانوا لا يبصرون فهل يسمعون كما بين ذلك في الآية (١٠٠) من سورة الأنبياء وسواء كان ذلك بسبب السد أو الختم على سمعهم المهم لا يبصرون ولا يسمعون، وفي هذا إنذار ووعيد لهم.
وهذا تنكيل بهم ومن أشد أنواع العذاب؛ لأنّهم كانوا لا يرون الحق والهدى من أمامهم، وأعرضوا، وجعلوا بينهم وبين الإيمان بالله سداً، وبما أنّهم ازدادوا كفراً زدناهم غشاوة جزاء بما كانوا يعملون.