{يَاعِبَادِىَ الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء من الأعلى وهو الرّب الكريم إلى العباد، بعكس الدّعاء: نداء من الأسفل إلى الأعلى؛ أي: من العبد إلى الرّب، استعمل يا النّداء للعبد، عبادي: تشريف للعباد بقوله: (عبادي) وعبادي جمع عابد؛ تعني: الّذين أقبلوا على الله باختيارهم فاختاروا أن يكونوا عباداً لله، وهناك فرق بين عبادي وعبيد وعباد. (انظر في ملحق الآية).
{الَّذِينَ آمَنُوا}: أي آمنوا بالله واليوم الآخر وبما أنزل الله على رسوله، ولازالوا سائرين على درب الإيمان.
{إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فَاعْبُدُونِ}: أي إن ضاقت عليكم أرضكم فهاجروا منها واعبدوني في أرض أخرى، إن أرضي: إن للتوكيد، أرضي: أي كلّ الأرض هي أرضي، وتسميتها أرضي تشريفاً لها وهي ملكه وحده، واسعة: أي فهاجروا فيها إذا مُنعتم من ممارسة شعائر دينكم في بلد أو أرض إلى بلد آخر أو أرض أخرى، هاجروا في سبيل الله وفرُّوا بدينكم.
فإياي فاعبدون: فإياي أسلوب حصر وقصر وتوكيد، والفاء للتوكيد والمباشرة، فاعبدون: من العبادة. ارجع إلى الآية سورة النّحل آية (٧٣) لبيان معنى العبادة. ولم يقل فإياي فاعبدوا، فاعبدون: الفاء للتوكيد والمباشرة والنّون لزيادة التّوكيد، فاعبدون: بإخلاص وتوحيد (مخلصون موحدون)، اعبدون: جملة اسمية تفيد الثّبات والاستمرار. وارجع إلى سورة ياسين آية (٦١) لمقارنة فاعبدون وأن اعبدوني (بزيادة ياء المتكلم).
لنقارن هذه الآية (٥٦) من سورة العنكبوت مع الآية (١٠) من سورة الزّمر وفي قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِى هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ}.
عبادي تعني: العدد أكبر من عباد، عباد: أقل عدداً، ولكنّهم أعلى درجة وإيماناً وتقوى من عبادي، وعبادي أفضل بكثير من العبيد (منهم الصّالح والطالح)، أرضي واسعة: أوسع من قوله: أرض الله واسعة، فاستعمل عبادي تعني (العدد الكبير) مع أرضي واسعة (الأوسع) واستعمل مع عباد (الأقل عدداً) أرض الله واسعة (الّتي هي أقل وسعاً من أرضي). ارجع إلى سورة البقرة آية (١٨٦) للزيادة في معنى عبيد، عبادي، عباد.