سورة القصص [٢٨: ٣٨]
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّى صَرْحًا لَّعَلِّى أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّى لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}:
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ}: وقال فرعون: ارجع إلى سورة الأعراف آية (١٠٣) لمعرفة من هو فرعون. يا النّداء، والهاء: للتنبيه، الملأ: أعيان القوم ورؤساؤهم وزعماؤهم ممثلو الشّعب. ارجع إلى سورة الشّعراء آية (٣٤).
{مَا}: النّافية.
{عَلِمْتُ لَكُمْ}: لكم تفيد الخاصة، اللام لام الاختصاص، والعلم هو اعتقاد فرعون الباطل أنّه هو الإله وليس هناك إله آخر، ولم يقل: ما عرفت لكم. العلم يتعلق بالصفات أو الأوصاف والمعرفة بالذوات.
{مِّنْ}: ابتدائية للتوكيد.
{إِلَهٍ غَيْرِى}: معبود سواي.
{فَأَوْقِدْ لِى يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ}: هامان: ارجع إلى الآية (٦) من نفس السورة للبيان.
أوقد لي يا هامان على الطّين: أي: اصنع الأَجُر المشوي.
{فَاجْعَل لِّى صَرْحًا}: أي: ابن لي قصراً عالياً أو برجاً عالياً، وكما قال تعالى في سورة غافر آية (٣٦-٣٧): {يَاهَامَانُ ابْنِ لِى صَرْحًا لَّعَلِّى أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}.
{لَّعَلِّى أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}: لعلِّي للتعليل، وفيها معنى عدم التّأكد وغير جازم لعلِّي أصعد إليه أو أقف عليه وأنظر إلى إله موسى الّذي يدعيه، وأراد بذلك القول التّهكم والاستهزاء بموسى.
وقبل بناء الصّرح وقبل أن يحاول أن يرى إله موسى حكم على موسى بأنّه من الكاذبين.
{وَإِنِّى لَأَظُنُّهُ}: إنّي للتوكيد، لأظنه: اللام لزيادة التّوكيد، أظنه: الظّن هنا يعني اليقين أو الاعتقاد الرّاجح في عقل فرعون أنّ موسى من الكاذبين.
{مِنَ الْكَاذِبِينَ}: من ابتدائية، الكاذبين: في قوله أنّ هناك إلهاً آخر غيري أو في إثباته أنّ هناك إلهاً غيره. والكاذبين: جملة اسمية تفيد الثّبوت، أيْ: صفة الكذب ثابتة وملازمة لأقواله وأفعاله.
والسّؤال: هل بنى هامان له الصّرح؟ طبعاً لا، وإنما قال ذلك افتراء وسخرية من موسى ليصرف أنظار الملأ عن موسى عليه السلام، وهو أيْ: فرعون يعلم أنّ له رباً خالقه وخالق غيره، ويعلم بصحة قول موسى عليه السلام، ولكن استكباره هو الّذي منعه من تصديق موسى عليه السلام.
ولنقارن هذه الآية مع آية أخرى وهي قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِى صَرْحًا لَّعَلِّى أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّى لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِى تَبَابٍ} [غافر: ٣٦ ـ ٣٧].
في سورة القصص قال: وإني لأظنه من الكاذبين.
وفي سورة غافر قال: وإني لأظنه كاذباً، ما هو الفرق: من الكاذبين أقوى في التّوكيد من كاذباً. لأنّه طلب من هامان بناء الصرح أمام الملأ فأكَّد بقوله: من الكاذبين، أمّا في سورة غافر فحين طلب من هامان بناء السّد لم يكن الملأ حاضراً.
طلب فرعون من هامان ببناء الصّرح يدل على مدى جهل فرعون بالله وصفاته، ودل على غباوته حيث ظن أنّ الله سبحانه في مكان ما وأنّه يستطيع رؤيته من ذلك الصّرح، ويدل على غباوة ملئه حيث كانوا يصدقونه فهو جاهل وهم أجهل منه؛ لأنّه يستخف بعقولهم.